حي على الفلاح

04b990fbaec741efdf1667f14cecdc5c

                            لوحة : صديقان ، للكندية Linda Vachon

أنزل الجريدة ، كان نظره شاخصاً .. رفعها ثم كومها وقذفها في الزاوية القريبة منه وقال :

– اسمه ليس موجوداً

– من هو ؟

– ولدي ، نخلت كل واسطات البلد .. لم يجدِ الأمر نفعاً ، حتى أبو بدر  لم يستطع فعل شيء

– من هو أبو بدر ؟

– أمس ، تهندمت .. تحممت بالعطور ثم رصفت شماغي فوق رأسي .. تأبطت الملف الأخضر ، السمة السعودية الأشهر .. عبرت الشوارع التي تمنيت لو أجلس يوماً عليها  ، ملساء  تسر الناظرين .. تخطيتها ،  قصور .. شجيرات مرتبة ، قذفت بسيارتي بعيداً .. لايليق أن يروني بلباس ناصع  وسيارة هرمة ، تبخترت وأنا أمشي ، فـ أبو بدر تربطني به علاقة متينة فجده لأبيه هو خال ” موضي ” من الرضاع موضي ابنة عمي وعليه تصرفت وكأني صاحب المكان ، جلست بصدر المجلس .. وضعت رجلاً على رجل

نظرت لصناع القهوة بشيء من التعالي ، وقلت بصوت فخم :

– صبّ لي من القهوة ياولد

هرع المغلوب على أمره ، صبّ لي .. ناولني الفنجان ، كان مرتبكاً .. لم ألتفت له ، رشفت شيئاً من القهوة .. نظرت إلى السقف .. الأعمدة الرخامية والتي شُغلت بالذهبي .. الكراسي الفخمة ، قلت في نفسي :

– أي عز هذا ياسويلم ! سحقاً للدنيا .. أنسيت سنينك المفلسة ، يبدو أن الحال تدحرج بك حتى كبرت كومة ثروتك .. اللعنة ، مددت يدي بالفنجان .. هززته :

– شكراً ..

عدلت قلمي المائل بجيبي العلوي ، جلستي وشماغي

انحنيت ، أخذت موزة كانت تنتصب أعلى سلة الفواكة .. قسمتها لنصفين والتهمتها كانت أشهى فاكهة تذوقتها منذ أن تعلمت الأكل ، أيقنت حينها أن كل الموز الذي أكلته في حياتي .. كان خدعة .. أيّ قردٍ ملعوبٍ عليه أنا . سألته هو يقف كحرف الألف أمامي :

– متى يحين موعد قدوم صديقي أبي بدر

– الساعة الثامنة أطال الله في عمرك ، هل أخدمك بشيء آخر ؟

–  ما اسمك ؟

– عتيق يا سيدي

– تعلّم ياعتيق يا ابني ، أن تكون مكافحاً في حياتك كن  دائماً واقفاً في وجه العواصف

لاتجلس ، كن صلباً  إن جلست  ستمر الفرصة من فوق رأسك ، لن تنتظرك . عندما كنت في مثل عمرك ، كنت أكافح .. أكافح وحسب .. حتى صرت جهاز مكافحة يلبس ثوباً .. أشاهدت في حياتك شيئاً كهذا ؟

– لا أطال الله في عمرك  

– المسألة دائـ….

فجأة فرّ عتيق من أمامي ، بدأ الارتباك يعم المكان كل المكان .. نادى أحدهم :

– الشيخ وصل

تقافز الجمع وقوفاً وكأن أحدهم لمس زراً ما .. تمتمت :

– قف منتصباً أيها البروليتاري ، انتهت فقرة أحلامك

نهضت ، دخل بـ ” بشت ” أسود مطرز  وغترة بيضاء .. اخترق الأجساد البشرية المتراصة الذين انشقوا لنصفين بالتساوي ، أحسست بأحدهم يجذبني من يدي .. قائلاً لي بتوتر  :

– ابتعد ، ابتعد .. كن هناك .. هيا

أقبل الشيخ ، جلس .. شرب قهوته على عجل .. التفت إلى من بجانبه

حاولت التطاول بين جموع الحجاج .. أشرت له بيدي .. لايبدو أني أشكل علامة فارقة هنا  حاولت المزاحمة ، اقتربت منه وبصوتٍ مهذب :

 – مساء الخير أبا بدر

– أهلا

– كيف هي أيامك ؟ كيف حال الـ …       

 قاطعني :

– ماحاجتك ؟

– ولدي ، رفسته الثانوية العامة بنسبة تشبه وجه من جذبني قبل قليل.. فكنت أقول أ…

– حسناً ، تعال يا فرج .. خذ ملفه  وتول الأمر

ثم همس بأذنه بكلمات ، حاولت استراق السمع  قبل أن يأخذني أحدهم بيدي لأغادر الكرسي :

– تفضل من هنا

وقفت ، مشيت مبتعداً .. التفت لصديقي الشيخ   كان منهمكاً ، شعرت بقلبي يتفتت بغصة تعتمر بحنجرتي .. غادرت المزار الطبقي اللعين .. الفروقات الريالية النتنة .. رجعت إلى سيارتي .. حقيقتي الوحيدة البشعة ، لشقتي المتعفنة .. علب العصير الملقاة ، أكياس الوجبات السريعة الرخيصة ، أسلاك الهاتف الظاهرة .. عدت لي أنا .. أنا 

 ،

قاطعته :

– كن حليماً يارجل ، الدنيا لم تأتِ يوماً على مقاس أمزجتنا .. ربما لم يذكرك ، أو أن مشاغله ألهته عن ملاحظة وجودك .. لا تكن حساساً

أخذ بتفحص علبة الماء بيده ..ركزها .. نظر إلي :

– أتحبني أنت ؟

– لن أفعل غير هذا

– هل ستنكر معرفتي يوم أن يغرقك الله بالريالات ؟

– قطعاً لا ، أنت شقيق الروح .. هل ستفعل أنت ؟

– طبعا سأفعل

 

4 تعليقات

  1. مشعل العنزي
    23 فبراير، 2014

    مميز رشيق في العبارة والصورة دوما مميز يافيصل

    رد
  2. hussain saleh
    25 يونيو، 2014

    اخي فيصل: انت شخصية راقية جداً .. اتمنى ان تبقى كذلك لا تغيرك صديقتنا الايام.

    رد

اضافة رد الى hussain saleh

إلغاء الرد