طرس | مقالات جريدة الوطن

Watan1

جمع من المقالات التي جاءت كل خميس بالصفحة الأخيرة من جريدة الوطن على مدى عام ، فضّلت بعدها الإعتذار لسياسات الرقيب التي أصبحت عُرفاً بصحافتنا التي تخطو نحو الحرية خطوة وتتراجع عشراً  .
أسميت العمود ” طرس ” تيمناً بأن الكتابة شأنٌ لايمكن له أن يكتمل أو ينجو من ” الهندمة ”
سأمتن لقراءتكم .. وتواصلكم أيضاً

 

| صفحة المقالات بالجريدة

” آش ش ش “
الخميس 15 سبتمبر 2011

عليك ألا تخاف، لم تفعل شيئاً يجعلك تنتفض كعصفور بلله المطر.. ما صنعته قد أصنعه أنا يوماً ما، لا أعلم إن كنتُ سأمر بتجربة الفزع التي تلتهمك الآن، لكني ومن قبيل التنظير ها أنا أرشقك بعبارات ربما تجعلك متماسكاً، حسناً.. هي أشياء تحدث، لا سبيل لمنع وقوعها. أذكر أني مرة تحدثت بأمرٍ كهذا، نعم كنت مغامراً حين صغري لكن أحدهم لكزني حتى كاد أن يغرس يده بكتفي قائلاً: “آش ش لا أحد يسمعك”.. جزعت، تمنيت لو أني استطعت وقتها أن أعيد تلك اللحظة التي تفوهت بها حتى أسجل فوقها نشيداً ما، يتحدث عن أشياء لطيفة وغير مهمة. هل علمت الآن أني سبقتك بهذا، ليس فعلاً فريداً ما ارتكبت، هوّن عليك.. جمجمتك يا صديقي المرتجف ليست وعاءً عليه أن يحتفظ بكل شيء، لاذنب لك وأنت تفقد ما تخزنه مع طيّ الأيام، هل ستغضب منّي يوماً لو قلت لك: ما اسم جدي الرابع عشر؟ رفع نصف عينيه لي أجاب بصوتٍ واهن: لا، أردفت بعد أن باغته باقترابي منه: أرأيت، لن تتأفف منّي حتى. تعال أيها المثير للشفقة، دعني أطبطب عليك، ستظل صديقي وإن تفوهت بحماقاتك أحياناً، لكني أتفهم حجم اندفاعك وشحيح معرفتك، لكن من واجباتي تجاهك أن أخبرك بحجم عدم صلاحيتك لأي استهلاك كان، وبالتالي بكون ما تتفوه به لا قيمة له، بل سيكلفك ما لا يستطيع كتفاك الصغيران أن يحملانه. نظر إليّ، نظر للجدار ثم أعاد نظره إلي وتمتم: لكنّي بليد، كسول للحد الذي يسألني فيه أحدهم: عددّ لي ثلاثة أسماء لأعضاء المجلس البلدي، ولا أستطيع إجابته، كيف لي وأنا أصنف كمواطن جيّد أن أجهل شيئاً كهذا، هل تستطيع أن تساعدني بتذكر أسمائهم؟ شعرت بأنه يخنقني أجبته وكأني أغص بشيء ما: ها ، لا يصلح.. عليك أن تعتمد على نفسك، أنا سأذهب الآن.. في أمان الله.

تيار “الطماط”
الخميس 22 سبتمبر 2011

ما مشاعرك وأنت كائن يحاول أن يصل مع همومه اليومية لحل وسط ، بينما وعلى طرفٍ غير بعيد آخر يواصل اثنان ممن يدعون النخبوية ” التناقر ” ببرنامج تلفزيوني على شأن لا يهمك أو مسألة تكاد لاتعرف صلة قرابتك بها ، وبلغة خطاب فوقية يمارسان غرس الفكرة الآتية برأسك : ” ما تبقى من سنواتك مرتبط بما نقوله ، نحن نشكل بهذا الجدل مصيرك المغلوب على أمره ، هل تسمعنا ؟ ” تهزّ رأسك الممتلئ بأحلامك المؤجلة .. قبل أن يتشبث أحدهم بوجهك متسائلاً : لأي تيار تنتمي ؟ تجيبه وأنت تنزعه عنك : أنا يا أستاذي من تيار ” الطماط ” ، نشأ بالعام الذي طارت فيه الأسعار ونسيت أن ترجع . هو التيار الذي يهمني ، دون أجندة ولا ثرثرات، أعضاؤه لايسكنون أبراجاً عاجية ، هم بالحقيقة لايجدون سكناً أصلاً لأسبابٍ ما . لا يصنفون الناس على حسب أمزجتهم وغير مهووسين بحواديت التغريب وبكوننا محط أنظار الأشرار والذين ينوون خلع “خصوصيتنا ” التي ننفرد بها دوناً عن زملائنا في هذا الكوكب اللطيف ، أما حراكهم فهو دوماً نحو الشارع ، صوته ، تطلعاته ، وليس حراك ” ضراير ” على زوج بلغ من الكبر عتياً ، كما تفعلون أنتم آناء الليل وأطراف النهار ، لذا أنا غير مهتم بما تفعلون ، وأشعر كلما شاهدتكما بأنكما كائنين غريبين هطلا فجأة من كوكب لانعرفه ، يقولان شيئاً يدعو للضحك لكنه سرعان مايبدو مثيراً للشفقة . عفواً نسيت أن أعرفكم بنفسي أنا المواطن ” ص ” ، بشكل آخر : القيمة المطحونة بسلسة حساباتكم الممتدة .

تمرين ديموقراطي
الخميس 29 سبتمبر 2011

من الطبيعي أن حواجبنا ستمطّ عالياً ونحن نستمع لإحداهن وهي تتحدث عن أن وجودنا ـ نحن قبيلة الرجال ـ بالمشهد البلدي أو الشورى لا يصلح لنا، وأنه مطلب ثانوي تسبقه حزمة من المطالب طبختها هي لنا، وعليه فإنها ترى جلوسنا في البيت شأنا إلزاميا وقرارا نسلم به من الشرور وطوق نجاة نتقي به من الذهاب في “ستين داهية”. ما الذي سنحس به تماماً ونحن مجموعة من الكائنات تجد من يفكر عنها ويتناقش بدلا منها.. فيقرر، ثم: قضي الأمر الذي “تلتون” فيه وتعجنون.
هل سيشكل فرقاً لنا نحن ـ معشر الرجال ـ؟ أعني حين ترشح امرأة ما نفسها لانتخاب بلدية ثم تفوز مادامت ستهتم بنا كمخلوقات لطيفة تتمرن على الديموقراطية، عنّي: لن أهتم بجنس العضو البلدي الذي سيرحم أحلامي المتطايرة كل صباح جراء حفر شوارعنا التي تشبه ثقوب أوزون صغيرة مثلاً، ولن التفت لنوع من سيجلس على كرسي الشورى ما دام سيهتم بالتفاصيل التي تخنقني كل يوم قبل أن يطبطب علي قائلاً: نحن نعتني بك يا ابني، اذهب واستمتع بما تبقى من حياتك وحسب.. وقتئذ لن تدرك أذناي هل كان ذلك صوت رجل أم امرأة، لأني حينها ـ وكعادتي ـ سأبتسم، وهذا بالطبع أقصى ما يمكن لي فعله كمواطن كادح، لا وقت لديه لتفحص وجه المرشح أو ما الذي يرتديه، وما إذا كان مصدر “فتنة” له، فلدي همومي التي تبدو أقل فتنة من أي شيء بهذا العالم، وستكون طاقتي موجهة صباح مساء وبقضها وقضيضها لحسابات اقتصادية لا مجال هنا لسردها. أعني: من الوارد جداً ـ يا أصدقائي الرجال ـ أن تكون إحداهن أكثر نفعاً من مرشح علاقته بما يحدث كعلاقة جدتي وضحى بالأبستمولوجيا، وهو ذاته المرشح المتأنق الذي تجده في صورته الدعائية يرفع يده بوجهك “علامة أوكي” ليبين لك وبثقة أن الأوضاع ” كويسة ” والأشياء تحت السيطرة . فقط لنجرب شيئاً مختلفاً، لن نخسر ما دام هناك من سيعتني بنا.

أنت وش أنت ؟
الخميس 6 أكتوبر 2011

إحدى أبشع التجارب التي قد تقضي بها ليلتك هنا والتي تشبه ماقبلها، هي أن تحطك الأقدار صدفة أمام قناة غريبة الأطوار، يحاول القائمون عليها أن يقولوا لنا بشكل ما إنهم مهتمون بالأشياء القديمة، والتي يحاول بها المذيع المتحمس أن يصنع حواراً مع ضيف يحاول هو بدوره أن يصنع شعراً نبطياً يحوم منذ سنوات حول غرضين: أنا قوي جداً، وأحياناً شهم تماماً مثل جدي، وسأسمعكم شيئاً يوضح لكم مدى افتخاري بذلك، أو عينيّ حبيبتي ـ التي أتوهمها ـ واسعة كثيراً، وشعرها كليل طويل “عيّا” ينجلي، لذا سأشرح لكم مدى اهتمامي بها، وبكلتا الحالتين سأفتتح قصيدتي بـ “ياراكب اللي”، أو “أنت الذي” مع أن الأخيرة أستخدمها بأغراض أخرى كطلب أحد الأغنياء مبلغا من المال، المهم أنها القصيدة العصماء التي سأشارك بها مع مجموعة من الشعراء الذين “ملوا البلد” ببرنامج يعتمد هو الآخر على فزعات التصويت وضخ أكبر عدد من الرسائل بداعي النخوة و .. السذاجة أيضاً ..!
وتتابع بعينين متسعتين مقدار استماتته بالحديث عن أنه هو ومن يرتبط معه بقرابة أفضل من غيره، وبالتالي فهم يشكلون تلقائياً أجود الكائنات على هذا الكوكب، كيف.. متى.. لِمَ؟، لا تعلم.. ما تعلمه أن الذي يصرخ أمامك حتى يكاد يبتلع المايكرفون مقتنعٌ بذلك الوهم.
ورغم أنك أصبحت مشاهداً حراً؛ ولن “يغصبك” أحد على متابعة تلك الحفلة فبإبهامك تستطيع أن تريح دماغك، إلا أنك وكرجل لا يملك شغلاً يلهيه تستشعر حجم “الهبّة” الضخمة تجاه الرجوع لحواديت طواها الزمن، وتحاول الاستمتاع بمشاهدة الرحلات المضنية بالبحث عن الجذور، والتنقيب عن المنطقة، والتفتيش عن القبيلة، كل هذا وأكثر للإجابة عن السؤال السعودي الأزلي: أنت وش أنت..؟ وهو السؤال الذي ستحدد إجابته مقياس جودتك الاجتماعية، ومدى كفاءتك لتجربة روتينية كالزواج مثلاً.
ما يمكن قوله نهايةً هو: إن التغني بانتصارات الماضي بشكل مبالغ به وعلى حساب الحاضر ليس دليل قوة، بل مؤشر عجز تخفيه تلك الجمل التي تبتدئ بـ “كنّا” و “فعلنا”، وهي المفردات التي لن تقدم شيئاً ما عدا تخدير النهوض وتسميم الوعي.
وسبب آخر لبطء حراكنا نحو التحضر و..الكثير من الوقت الضائع على لاشيء ، لاشيء فعلاً .

باب ماجاء في : النعناع
الخميس 13 أكتوبر 2011

قال لي: هل ترى كمية الرجال الكادحين بوجهي؟ أردف: المسألة لم تعد “راجعنا بكرة” أو “تعرف أحد هناك”، وهي الجملتان الأشهر بالدوائر الحكومية، المسألة تعدت ذلك لـ”توكل على الله” و”خذ نعناع”، الأولى تأتي كتطور تاريخي لـ”السستم عطلان” أما الأخيرة فتأتي كبدل ترميم يقدمها مجموعة من المحسوبين على جهاز ما، قلت له: جيد، لكن ما دخل ما تقول بهذه الكائنات الكادحة على سحنتك اللطيفة؟ أجاب: “آها” سأقول لك، سأنطلق من فلسفتي: أنا غير مهتم بما يحدث، إذن أنا أفكر. فعلاقات الأجهزة ومن يعمل بها، ومن يقول إنه يعمل بها وهو ليس كذلك، مع أفراد المجتمع وحزم النعناع التي تهدى منهم للآخرين، كل هذا لا يعنيني، ما أنا مشغول به هو الآتي: ألا يرتفع سعر النعناع وحسب. قلت له: ما هذه الأنانية يا رجل؟ ألا تفكر بغيرك، كلانا قد “يتنعنع” يوماً ما. أجاب: لعلمك أيها الرفيق فإن أحداً لا يعتذر مني بحزمة جرجير على الأقل حين أتعرض لعملية “لهط”. ثم إني قلق من أن تشيع حكاية النعناع كعادة تسويقية، فتقوم الحرب الدعائية بين شركات اتصالاتنا مثلاً، أو أن يلقي أحدهم شائعة ما بأن النعناع سيختفي، فينقلب الأمر لمكائن “سنجر” بشكل آخر، فيصبح امتلاك نعناع كامتلاك أرض، وعلامة فارقة لمستوى الغنى والفقر، وستسمع: ما شاء الله أبومحمد عنده خير و.. نعناع، ثم تبدأ الأسواق السوداء بلعبتها بعد أن يحتكره من “يدوزن” السعر كما يريد، بعد أن كانت ربطتان بثلاثة ريالات، مما يجعلني متورطاً بفواتير لن ينفعني أحد بدفعها رأس كل شهر من أشهر “سنة النعناع”. أفهمت الآن حجم القلق الذي يلتحفني كل ليلة منذ أن سمعت بالخبر؟ المهم، ادفع الحساب يبدو أن أموري المادية بدأت بالتلبك منذ الآن.

تنويه : لاتطلق المارد داخلك
الخميس 20 أكتوبر 2011

هل تحلم ببيت ؟ سؤال دعائي باهت شاهدته يوماً يعتلي عمارة ما بمكان لا أذكره، حمل توقيع بنك أعرفه أنا ومجموعة من المواطنين المتورطين به جيداً،حينها حاول المارد بداخلي – والذي أحاول منذ سنوات إطلاقه – أن يجيب عليه. قلت بنفسي: المهم أن ينطلق من داخلي،أن يفعل شيئاً ، لأني أشعر بأنه لو استمر خامداً فسيجلب لي مصيبة رمادية . جلس بجانبي قبل أن يقول لي: أنت كائن منزوع المشاعر بل وأشك بتعاطيك عقاقير تخلع منك الرحمة وتجعل منك إنساناً يلقي بالأسئلة المتعجرفة دون تقدير، هل تسخر مني بسؤال كهذا ؟ هل تعي ماتقول ، كيف لك أن تخرجني منك بهذه الطريقة ثم تسألني بفم معوج : هل تحلم ببيت ؟ .حاولت تدارك ما ” هببت ” لكنه قاطعني : اسمع .. نعلم كلانا أني مارد يفعل أشياء تصنف فيزيائياً بكونها خارقة، لكنّ هذا لايعطيك الحق بتوريطي بأحلامكم السعودية منتظراً منّي أن أساعدك بها،هذا كثيرٌ يارجل . طوال سنوات لم أتزحزح من داخلك رغم محاولاتك المضنية لإطلاقي لكي لا أتعرض لأسئلة معجزة كهذه،أنت لاتعلم أيها البشري حجم الخيبة التي صفعتني بها ، كيف لا وأنا المارد الذي تحمّل تفاصيل أيامك المثيرة للشفقة ، ثم الآن وببساطة تمارس عليّ مايفعله بك إقطاعيو الأراضي من ظلم . حسناً ، ها أنا خرجت.. بربك قلي ما الذي ستستفيده ،هل كنت منتظراً مني أن أنشئ لك بنكاً يرحمك بتمويل لايصل لربع قرن ولا يبتلع نصف راتبك خلال تلك الحقبة التاريخية من حياتك ؟ أو أن أقنع المالك بأن المبلغ الذي يحصده منك نهاية كل سنة مبالغ به بالنسبة لشقة تشبه كوخاً بجدران ؟ المهم الآن سأعود لمكاني وإياك أن تقلق راحتي بحكاياتك المتأزمة التي لاطاقة لي بها. إياك أن تفعل، وأنت حر بإطلاق المارد المقترض داخلك ، أو المارد الذي ينتظر الصندوق العقاري، اي شيء يشغلك عن إزعاجي تشرفت بك .. مع السلامة .

هل ترضاها لأختك؟
الخميس 27 أكتوبر 2011

ها أنا أجلس أمامك متربعاً للمرة للخامسة، وها أنت لا تزال تحاول إقناعي بأن المرأة تشبه السلك المكشوف، والحلاوة المغلفة بل والقنبلة الموقوتة، وأنها – أي زميلتنا بالمجتمع المرأة – إن تركنا لها الحبل على الغارب فإنها تُفسد وتَفسد، أي أن نصف هذا المجتمع سيخرب، ونصفه الآخر سيخرب بسبب النصف الأول، لتصبح النتيجة مجتمعا متعفنا، ثم نموت ولا يبقى أحد.. أليس هذا ما ستقوله لي مرة أخرى؟ هزّ رأسه واثقاً ثم قال: بالضبط، ما لا تعلمه أيها المتثيقف أننا بكل مرة نتناقش فيها فإن امرأة ما بمكان آخر، ولأنها تخلت عن الضوابط فإنها في طور الميل وهو الطور الذي يسبق عملية الضياع، ذلك بسبب أننا لم نسهم بشيء فعلي لصد الهجمة، ودرء الفتنة، رغم كوننا رجالا مسؤولين عن كل نساء الوطن ومتكفلين بمراقبتهن وتحديد الأصلح لهن، لاسيما ونحن أعلم منهن وأكفأ، وهذا شيء بديهي لا أعتقد أننا سنتجادل به أيضاً. نعم، صحيح، أحياناً هناك امرأة بألف رجل، لكن هناك دائماً ثلث رجل يستطيع تلقائياً تحديد مستقبل ألف امرأة.. وهذا يوضح لك حجم رجولتنا، فـبثلثنا نستطيع التحكم بالأمر، فكيف بنصفنا.. تبدو صامتاً، هل أفحمتك؟ بلى لقد أفحمتك، أليس كذلك؟
اعتدل بجلسته ثم أردف: هل ترضاها لأختك؟ قلت: عفواً؟ وما دخل أ.. قاطعني رنين هاتفه، نظر إلي وهو يقول بصوتٍ خفيض: عن إذنك “الأهل”.. قلت له: أهلك بالرياض، يا أهلاً بهم. وقف مسرعاً: لا لا، الأهل يعني “العيال”، تبسمت: أيها الشرير منذ متى لديك أطفال وأنا لا أعلم، تأفف وهو يقول: العيال يعني الـ..الـ .. المدام، سئمت من حالة عدم الفهم السائدة بيننا، سأذهب الآن قبل أن أنام خارجاً الليلة.. ألتقيك لاحقاً.

لاتفكر..لوجيا
الخميس 3نوفمبر 2011

ما يمكن قوله لكم يا أبنائي، وما أعتقد أنكم ستفهمونه؛ هو أني وخلال هذا التجمع المبارك سأقوم باستخراج محصلة ما طحنته، وأنا معتكف مع ذاتي في برجي القديم، منكباً على كتبٍ قد لا يهمكم شأنها، وعليكم حينها ـ ولأني بالطبع أعلم منكم بالأمر ـ هزّ رؤوسكم، فبمقدار هز رؤوسكم سينصب التلقين بداخلها، وستتغلغل الأفكار بها، وهو ما يمكن تسميته مرحلة “التشريب”، وهي التي تنتج لنا عقولاً معلبة تحت إشرافنا نحن الكبار. فنقول: كلما قلت كلاماً مكرراً منذ عقود كنت رجلاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من أي مكان آخر، وهو ما يحيلك تلقائياً بالإضافة لاختراع عدو ما لأن تكون ذا سلطة صوتية تتلوها الجماهير، وبالرجوع لـ”حدوتة” العدو يا صغاري فالأمر سهل.. إن رجعت للبيت، وتكومت على نفسك، فجرب ما سأقوله لك، خذ لك كائناً صغيراً من أي مكان على هذا الكوكب، ولنقل كادحاً يعمل في منجم بقرية منسية في أقصى أوروبا مثلاً، تخيل لوهلة أنه سينقض عليك على حين غفلة خالعاً خصوصيتك الفريدة، نازعاً ثقافتك المتوارثة، وأنه سيكون سبباً بضياع هويتك وخراب طبيعتك.. اغضب، اغضب أكثر، حذّر الناس منه على منبرك.. وهم بدورهم – مشكورون – ودون وعي سينشغلون به، سيحاولون محاربته.. ربما حينها لن يدري أصلاً عنهم.. لا عليك.. استمر، وخلال مسيرتك تلك، كن على علم بأنك لا تفكر، وكن سعيداً بذلك، بل وافتخر بتعطيلك للجزء المهم في رأسك، واضعاً بدلاً عنه “ببغاء” متحمساً، ثم حاول أن تصدّر حالتك الغريبة تلك لكل ما سواك.. وثق بأنك إن فعلت ذلك فإنك قد ساهمت بترسيخ مكانتك كأكثر الكائنات فائدة على سطح الأرض.. ولا يضيرك وقتها كل هذه الهجمات التي توجه لك ما دمت ترتدي هذه الثقة الصمّاء، ثم اذهب للنوم قرير العين.
رفعت الجلسة.. أعني انتهت الوصايا.

اكشط واربح
الخميس 10نوفمبر 2011

لا تحاول أن تدسّ هذه الكلمات برأسي، الزواج بهذه الطريقة مجموعة في قولك: اكشط واربح، لايمكن لي أن أدفن رأسي بالرمل بحجة “السلوم والعوايد”، حاولت إقناع نفسي بهذه الخطوة الخطرة، أعني أن أتزوج دون أن أعلم هوية امرأتي القادمة، الكائن الحي الذي سأتقاسم معه حياتي لا أعرف إلا اسمه يا رجل، لك أن تتخيل أني حاولت رسمها بمخيلتي، تصورتها مرة تشبه حسناء شاهدتها بدعاية لشامبو يزيل القشرة، ثم فجأة ودون تدرج تخيلتها تشبهك تقريباً. قلت له متعجباً: هل أنا بشع لهذه الدرجة؟ نظر إلي ملياً ثم تابع: ليس هذا ما أنا متورط بشأنه، ما أريدك أن تفهمه هو أن رقبتي كادت أن تخلع حين قلت لعمي القادم: شكراً لثقتك ياعمّ، نعم.. أنا مواطن صالح “وسأتسلف” من أحد بنوكنا “الحنونة” لأتزوج ابنتك ثم أصبح كادحاً منسوخاً، لكني – وربما لا تعلم – أرى أنه من الجيد أن تسمح لي بالنظرة الشرعية. وما إن انتهيت من جملتي الواثقة تلك إلا وعيناه تصفعانني، حينها لكزني أبي متداركاً: “ابني يبدو متحمساً، كلنا مررنا بهذا.. أتذكر حين جئت تخطب ولم “تدّل” البيت، فطرقت بيت جيرانهم، ضحك الجميع قبل أن يتابع وهو يمسح عينيه من أثر الضحك: “حسناً حسناً سننتظر اتصالكم “.
طبطبتُ على كتفه مجمعاً أكبر كمية من العبارات المهدئة: لا عليك ياصديقي، تحدث هذه الأشياء عادة، لا تتشاءم كثيراً، من جد وجد، خلها على ربك. فرك يديه وهو يقول لي: شكراً لتفاعلك الذي لن يغير شيئاً، المهم أحتاج أمراً ما، وضعت يدي على جيبي وأنا أهمّ بالهرب قاطعني: لا تقلق ليس مالاً، أحتاج شاهداً.. شاهداً على أضخم عملية “يانصيب” بالعلاقات الإنسانية. وأحد أكبر مشاريع شركة العادات والتقاليد والتي تحدد لك أدق تفاصيل حياتك. هل أنت موافق؟

ذات زواج !
الخميس 17نوفمبر 2011

لا يمكن لهذا أن يحدث أكثر، تخيل يا زوجي الجميل أنها المرة السابعة التي أحضر فيها حفل زواج وتقترب مني إحداهن محاولة أن تخطبني لأخيها، مللت من هذا هل تسمعني؟ المهم دعني أكمل، حين قلت لها بثقة: عذراً، أنا مرتبطة ياعزيزتي، مسكت خديها، عصرتهما وهي تصرخ مندهشة: ما شاء الله، كأنكِ ذات ثمانية عشر ربيعاً، بربكِ هل تحاولين “تصريفي” بشكل ما، جاوبتها وأنا أقف: قلت لكِ، أنا متزوجة.. هل أنت غاضب من تأخري عليك حتى الثالثة صباحاً، المهم.. أترك عبثك بالريموت وقل لي: هل أبدو فاتنة؟ هذا الفستان هو الذي طار نصف راتبك لأجل شرائه، هل تذكره؟ قلت بنفسي: لن أنسى شيئاً كهذا، طار معاشي ثمناً لقماش يشبه ستارة غرفتي حين كنت عزوبياً، ما القوة التي دفعتني لارتكاب حماقة كهذه، هل كانت تعلم أن نصف فؤادي انشطر وأنا أرى ريالاتي التي كومتها منذ بداية الشهر تطير، علي ألا “أتحلطم” أكثر، فقد تنقلب ليلتي لكابوس يمتد حتى ظهيرة اليوم التالي، ما يهمني الآن.. هو هل كان أبو عبدالملك صادقاً حين وعدني بترتيب أمور زواجي “مسياراً”، لا يبدو على سنحته أنه يحاول توريطي، ثم أي ورطة أعظم مما أنا فيه، هذا الرجل هو منقذي، قذفه الله بطريقي حتى لا أموت مقهوراً، لحظة.. لم كل هذا من هن مثل زوجتي لهن الجنة حين يصبرون على رجال مثلي، هل نظرت لنفسي بالمرآة ؟.. أنا زوج سيئ، بل أشعر أن عليها أن تتصدق بي لجمعية البر، أنا رجل بالٍ، لا أصلح لشيء.. هل أصفعني؟ لا، يكفي هذا الجلد لذاتي التعيسة، فـ.. قاطعتني يدها وهي تلكز كتفي و”تولول”: “مين أبو رهف الذي يتصل بك في مثل هذا الوقت ها”!

48
الخميس 24نوفمبر 2011

لا. ما تقوله هراء، هذا الرجل ليس أصلياً، أبي أخبرني بذلك.. جده كان لديه حرفة تقيه من الفقر الذي كان يعيشه جدي ـ غفر الله له ـ إلا أنه يظل مواطناً بخط “ثمان وأربعون” وهو الخط الأدنى من المئة والعشرة، لن ينفعه ماله ما دام ليس مختوماً على قفاه بأنه يرجع لتكتل اجتماعي ما، يدعى قبيلة/عائلة.. فالاهتمام بسلالتنا وجمع أكبر قدر من كل الحكايات الدموية الماضية على حساب أي زمن آخر بل وتوريث ذلك لأبنائنا يجعلنا في معزل عن اتهامٍ قد يطالنا يوماً بأن أصلنا لم يكن بجودة عالية، أنت لا تفقه.. دراستك ببلاد الكفّار، المدنية الزائفة التي تعتنقها والكتب المثقفة التي أتلفت دماغك تجعلك مهملاً هذه التفاصيل.
المهم يا صديقي لدينا حفل ضخم بمناسبة زواج الشيخ شلخاط للمرة التاسعة، دعني أشرح الأمر بفهمك المختلف عنّا، الحفل عبارة عن “بارتي” لكن بوجوه غاضبة، لسبب ما ليست مبتهجة بما تفعل، هل وصلت الفكرة أيها المتحضر؟ حتى وإن لم، فالمطلوب منك التالي: هناك مبلغ عليّ دفعه كنوع من أنواع “الفزعة” لهذا الرجل المزواج، وأريد منك سلفة.. أعلم ما ستقوله يا رجل، اجمعها مع حزمة الديون التي تطالبني بها، لا تكن “رخمة” أكثر مما ينبغي، فالمرة السابقة التي جئتك بها حين كان عمي يقيم كرنفالاً للإبل، تحججت بأنك مختنق بأزمة مالية، وحين كان خالي يوزع أسماء الأجداد على شجرة العائلة التي ينوي زراعتها من جديد، تعذرت بكونك نائماً. كوننا نرجع لذات الجد الثامن يلزمك بأن تكون معي على السراء والضراء، و الدفع أيضاً. ها هو رقم حسابي، هل ما زلت تذكر اسمي؟
كنت أمازحك يا رجل.. أنتم يا معشر المثقفين لا يمكن مداعبتكم، عن إذنك.. لدي أحد الضيوف قد هبط علي فجأة.. أنا مضطر لذبح حيوان ثدي له، ربما أحتاج لفزعتك أيضاً.. كن بخير.

حياة على شكل صندوق
الخميس 1 ديسمبر 2011

(طحنت خلال الدراسة شيئاً من أيامي بمدرسة تفصل بين أدوارها أبواب حديدية بأقفال ضخمة تشبه تلك التي تغلق فيها السجون..خارجاً ، كان السور الفارع يُغرس بأعلاه زجاج مبشور وسلك شائك تطوق فيه المدرسة للحد من هروب الطلاب خارج هذه “الجنّة” و..مع هذا كنا نهرب ، محملين بما يجعلنا نشعر بأننا كائنات لاحلّ معها إلا بالحجر ولافائدة ترجى منها إلا بالخنق وهي إحدى أشكال الثقافة القمعية التي رضعناها بذمة وضمير . تلك التي تحدّ منك ، تشك بك وبأنك بشكلٍ ما تشكّل خطراً داهماً إن حاولت القفز على الخطوط الحمراء المتكاثرة و قلت بصوت حاد : لا. حين كبرنا كانت : الشوارع ، تفاصيل المدينة المليئة بالأغلال ،الحديد، الجدران الشاهقة ، الأسمنت الداكن ، والكثير من الوهم .. المنازل التي نسكنها كلها أبواب ،ولكي نصل لغرفة ما علينا أن نعبر متاهات من الممرات الضيقة ، الشوارع التي نتخطاها يومياً متخمة بالأسوار والسواتر ، الكثير خائفون من أن يراهم أحد،أن يفتضح جارهم أمرهم، متوجسون من أن الآخر سيستيقظ صباحاً وهو يقول: ” حسناً عليّ أن أغسل وجهي ثم أشاهد مالذي يفعله الجيران الذين يخبئون أنفسهم عني ” . هم لايدسون شيئاً لكنها ذهنية “الوسوسة” ، الخصوصية المتفاقمة والتي حقنت بنا منذ الصغر، بأننا لانشبه غيرنا ، متفردون ، بأن هؤلاء البشر الذين يشاركوننا ذات العالم لايفهمون ، مختلفون عنّا ،بأن حياتهم مجرد خسارة كبيرة ، لأنهم ارتضوا أن يعيشوا خارج الصناديق الخرسانية، وقرروا بعد سنوات من الوعي ألا يتدخلوا بشؤون غيرهم ، وأن يكف الكبار عن تعليم الصغار أدق تفاصيل حياتهم وترتيب مستقبلهم ثم إرغامهم على ارتداءه من منطلق الطاعة ومعرفة الأصلح . مساكين كل الآخرين،كلهم.. حين لايعلمون أننا وصلنا لمرحلة تضمن لنا الجودة الفائقة و..الخلود)
وجدت هذه القصاصة ملقاه بجانب “شبك” كنا نقضي حوله نزهة برية،حمدنا الله عمّا نحن فيه ، قال أحدنا: ربما كان مصدوماً من أثر الحضارة الغربية والعياذ بالله ثم ضحكنا.

التالي: حفلة شواء..!
الخميس 8 ديسمبر 2011

حسناً يا أبنائي، أنا الدكتور “ماضي”، مهتم بالتاريخ وما فعلته الأمم المندثرة وما إلى هنالك من هذا الكلام، هذا اليوم سنأخذ جولة بهذا المتحف الأثري لنرى شيئاً من طبائع زملائنا البشر الذين كانوا على هذه الأرض منذ مئات السنين.. هذا المكعب الزجاجي، وكما ترون بداخله تمثال لـ”سياط” كان بعض الرجال بالعهد البائد يستخدمونها ليشووا بها أجساد زوجاتهم حين يدّب خلاف بينهم، نتيجة للاستبداد ولإبراز حجم سلطتهم الذكورية، ثم وبقدرة قادر لا يعاقبون، وتستمر الحياة حينها زائدةً جلاداً واحداً.. ناقصةً امرأة أخرى سحقها الظرف الاجتماعي وأشياء أخرى، بالأسفل هنا نشاهد مخطوطة عتيقة منذ ذلك الزمن كتبها أحدهم يحاول بها أن يقول شيئاً يشبه: “تستحق ما حدث لها، لابد أنها ارتكبت خطأ ما”، يبدو الأمر مدهشاً..؟ على بعد خطوات هنا، على هذا الجدار.. يبدو ما يمكن أن نسميه “صك طلاق”، وهي ورقة ضغط كانت تستخدم لتقديم التنازلات، فرجوعاً لحكاية “الشوي”، بعدما تنضج المرأة، عفواً.. تشفى، تخير بين: رجوعها مع ذلك الذكر المخبول، مع احتمال تكرار حفلة الشواء تلك، أو أن ينفصلا، مما يؤدي لخراب بيتها، تضاؤل قيمتها، وتآكلها قلقاً، وما قد يزيد حياتها بؤساً حين لا تملك ما نراه الآن بهذا المكعب الصغير.. مجسم لطفل على صيغة رجل، كانت تستخدمه النساء آنذاك ليضفين شرعية على حقوقهن، ولكم أن تتخيلوا كيف لمن لا يتجاوز طوله ساق إحداهن، أن يتحكم بسير حياتها.. حاولوا أن تستوعبوا حجم غرابة هذا الأمر.. هذا يحرضنا للتفكر، والبكاء أيضاً..
حسناً لنختتم هذه الجولة، فامرأتي قالت لي إن كررت تأخرك خارج المنزل فسأرمي بوجهك البائس ورقة يضيع بها مستقبلك، لا أريد أن يتطور الأمر، لأن تسلق جسدي بحجة عدم طاعتها.. لنغلق هذا التاريخ الآن.

سور العيب العظيم
الخميس 15 ديسمبر 2011

لا أشك للحظة أنه كلما تكاثرت الخطوط الاجتماعية الحمراء في مكان، تفاقم تخلفه، وتفشى عجزه، فالمجتمعات التي وبدواعي الريبة تختبئ خلف كتل صلبة من العيب هي مجتمعات خائفة من التغيير، متوجسة من القادم، حتى وإن كان محملاً بالنهوض، مبشراً بالتنوير.. والأكثر خيبة من هذا هو أن ذلك العيب يصبح ومع تقادم الزمن فخراً ترتديه الأجيال، وحكاية عظيمة تتفرد بها.. ويصبح نقده جنحة عظيمة تكلفك الكثير من التهم المعلبة التي تلقى عليك. وستسمع من يقول: “نعم ربما أتفهمك أيها الرجل المهتم بنقد التراث الذي لم يعد مهماً، وكسر تعلقنا المتطرف بالماضي، وبقية ما أشغلت مسامعنا به، لكنك ترتكب عيباً ضخماً بنقدك لما تسميه “عيب”، فـعيبٌ عليك فعل ذلك، لو كان الأمر بيدك لجعلتنا نسخة أخرى من تلك الدول التي ليس لها “ملة ولا مذهب”، ولخلعت عنّا ما نتميز به عن الآخرين، فعلاً بدأت أشك بمدى رجولتك”. تعلم وقتها أن زحزحة قناعات كهذه أصعب من أن تقنع جبل طويق أن يرقص باليه.
ديكتاتورية العيب تتحول إلى عصا غليظة تحدد لك أدق تفاصيل حياتك، فحين ينبتك الله على هذه الأرض وبعد أن يجرّ والدك أذنك الصغيرة حينها ستسمعه بلا شك يقول: عيب يا بابا، وعندما تكبر وتصبح رجلاً جيداً تتطور الحكاية لـ: “واعيباه.. بهذا العمر ويفعل ذلك”..!
حتى وأنت تقص تذكرة مغادرتك عن هذه الحياة، ويأتي من يسلم على ورثتك بقصد التعزية ستسمع أحدهم يقول: “عيبٌ عليهم، ساعة ونحن مغروسون هنا، ولم يصبّ لنا أحد مشروباً ما”، حينها تتمنى أن تخرج من قبرك لتقول: “دعونا نسوّ الأمر، لا شأن لأحد بي، حياتي أصرف أيامها بالطريقة التي أشاء، مادمت لا أزعج أحدكم بها يا قوم، دعوني فقط أرقد بسلام.. عيبٌ عليكم ما تصنعون، ألتقيكم لاحقاً”.

رابطة “المواطنين الذين لايدرون”
الخميس 22 ديسمبر 2011

مانحن مجتمعون اليوم لأجله رغم كل ماحدث ، هو أننا لا ندري ، نعم .. نحن نحاول أن نلمّ شمل عدم درايتنا بأي شيء ونحو كل مايصير، ولأن لدينا أرضية فكرية متفقا عليها ، وعدم رغبة مشتركة بمعرفة ما يحصل ، لذا سنعتمد على كل ذلك بإنشاء رابطة ضللنا حقبة من الزمن لا ندري مالذي يمكن أن تُسمى ، لكنّ فاعل خير -ويبدو أنه كان يدري- اقترح علينا مسمى لم نرى فيه بأساً ، هو رابطة “المواطنين الذين لايدرون” المسلحة بـ .. الخيبة ، وهو تجمع سلمي غير مهم سنختار ملحق أحدكم -أيها السادة الكادحين- كمقر دائم له، رافعين شعار “نحن لا ندري .. إذن نحن نفكر” ، أيها الرفاق .. بجدول أعمالنا الغير مزدحم لهذا اليوم ، سنتناقش بما يمكن أن يدعى : الثقة ، أعني أننا نثق بأن كل ما حولنا هو من صنع أناس يدرون ، مجموعة من البشر أفنوا أعمارهم بصنع مانراه .. لنقف الآن وننظر لسحناتنا بالمرآة ، قبل أن نتوزع على شكل ورش عمل ونطرح على بعضنا سؤالاً وحيداً : هل نبدو أننا ندري ..؟ تظاهروا بأنكم نجحتم .. ابتسموا ، هزوا رؤوسكم ، ثم اهتفوا : أشياء جميلة تحدث لدينا يارجل .. حينها ، وحينها فقط نحقق أسمى آيات اللادراية . أيها القوم ، لازلت وأنا أقف أمامكم أتذكر وصية خالي الذي رحل عن هذه الدنيا وهو يحاول أن يدري .. كان يقول لي : ” اسمع يا صغيري ، هل ترى تلك الـ ” مدري ” ، أريد منك أن ترتديها مثل ثوبك ، أن تمشي وأنت متخمٌ بها ،أن تحاول أن تستمتع بالأمر ، هل يبدو ما أقوله مفهوماً ؟” .. منذ ذلك الوقت وأنا متشبث بتعاليمه رحمه الله . المهم وبنهاية خطابنا الميمون هذا ، هل لدى أحدكم أي سؤال .. أي شيء ، نكتةٌ ما .. حسناً لاتدرون ، يمكنكم التصفيق الآن .

يا ابن المثقف !
الخميس 5 يناير 2012

قصة من التراث الثقافي السعودي :
سـ.. يحكى أن يوما ما وحين كان الأب وابنه يسيران بمركبتهما الفضائية، هزّ الأب رأسه وقال: إيه يا ابني، في مكان ما أراد جمع من الناس أن يتعشوا ثقافة، وهي وجبة لطيفة، ثمنها بمتناول الجميع.. فاجتمعوا في هذا المكان، لـ”طهي” العشاء، وحين الغد قاموا وشتموا بعضهم.. ببساطة، وحتى وجودي معك اليوم، وبعد سلسلة طويلة من السنوات، لا أحد يعلم لم وزعوا على بعضهم الشتائم كقطع حلوى، هل تبدو قصة “بائتة”؟ لا أعلم. ما أعلمه أنه وبذلك العصر يروى أن أشد الشتائم التي يتقاذف بها البشر كانت “مثقف”، فيحدث أن تجد اثنين يقفان بطابور خانق، متوترين.. ليقول أحدهم لمن خلفه فجأة: أنت مثقف، وابن ستة وستين مثقفا.. ليرد عليه من يحاول كبت غضبه : يارجل كفّ عن هذا ، اهدأ..فيصرخ بوجهه الأول: بل ومثقف كبير .. لينفلت الآخر : أنا مثقف يا ابن المثقفة ؟.. يضع الناس أياديهم على أفواههم من الدهشة ، ويغطي أحدهم عينيّ طفله قائلاً : “عيب يا بابا، أشياء ما تصلح.. كخه”.. يحتشد المارون، يتربعون، ويتابعون، فمنهم من يصفق.. ومنهم من يتراشق العبارات النابية كعلب فارغة، ومنهم من يمارس غفوته قبل أن يوقظه من بجانبه قائلا: “يالله سرينا”، كان الشارع فوضى، بلا سبب مهم أو على الأقل معلوم.. لكنهم وآنذاك كانوا يعتقدون أن ما يحدث حراكا، كان يشبه يا صغيري حراك “ضرتين” على زوج يجلب الشفقة.. المهم الآن اذهب بنا لكوكب الأرض، بمكان ما هناك مباراة.. عفوا، تجمع ثقافي تليها ندوة بعنوان ” الخزي والعار ، والتنوير والازدهار : دراسة مقارنة ” وأشياء غريبة أخرى. لا تخبر والدتك بالأمر، لكي نكرر هذه الفعلة.. وضحك الأب وابنه ضحكة شيطانية، وألغيت الندوة.

التقدم للوراء
الخميس 12 يناير 2012

من منا لم يسمع وهو يقشّر سنواته الأولى، أحد كبار السن وهو يقول له بثقة: “ياولدي نحن نفهم كل شيء”، أو لمعلم / شيخ يصرخ بوجهه: “لا تخض في مثل هذا.. لا تسأل عن ذاك”! تلك العبارات تحاول اختصار التالي: “حينما كنا بمثل عمرك كنا أفضل منك بشكل مدهش، وأنك إن لم تستحضر حجم كفاءتنا حينها فإن عمرك القادم سينقص، وإن لم تتشبه بنا فإنك – أيها الصغير – ستكبر وأنت رجل غير مكتمل، وإن لم تقلدنا بأدق تفاصيل ما كنا نفعله، فستصبح حياتك لا طعم لها ولا رائحة.. لا تسأل، هزّ رأسك دائما بالموافقة، وتأكد دائما أننا أعلم منك”، وبشكل أعمّ: تلجأ الثقافات الواهنة، للماضي بكل مرة تشعر فيه بتأخرها عن الركب، وإيمانها بصعوبة اللحاق بهم، ومنافستهم، وحين أعجزها ذاك؛ تعيد تكرار قصصها البطولية التي عفا عليها الزمن، وكيف أنها كانت مجتمعات فريدة من نوعها، يشير لها من كان بالشرق والغرب، وتبهر بما تقدمه كل الدنيا، حاشدة بذات الوقت ما استطاعت حشده لمحاولة تقديم الماضي على أنه المرتكز، وبأن التراث هو المفترض، فتبدأ رحلة البحث عن الرؤى التي شبعت موتا لإحيائها مؤمنين بأنه: كلما ماتت الآراء، زادت قداستها.. وسمح التمثيل بها عند كل مناسبة والترويج لها، بل والافتخار بذلك، لا يقف الأمرعند هذا الحد عادة، بل تبدأ حكاية انتقاص كل من يحاول التجديد، أو الخروج عن السائد الذي شبع جمودا. 
لا يمكن لمن يقلد أن ينتج، ومن يحاكي تجارب الأولين أن يحدث فرقا، ليس بسبب سوء ما كانوا عليه، لكن لعدم مناسبتها لما نحن عليه.. فمن لا يتغير: يصبح تمثالا يكسره الزمن و.. العالم المتغير أيضا.

أحبكِ نعم، أتزوجكِ.. لا!
الخميس 19 يناير 2012

أخذ يهزّ كتفيّ، حتى كاد يسقط رأسي من فوقهما وهو يقول لي: “أحبها، أنت لا تشعر بي أيها الكائن الجاف، منزوع الحسّ.. أعشقها بشكل ضخم، صعبٌ على رجل متصحر مثلك أن يتفهمني.. اسمع ما كتبته بها.. اسمع “البارحة.. لم أنم، ثم أصدرت صوتاً يشبه الونين، نعم لقد ونّيت، آه.. فأنا موجوع بكِ أيتها المرأة التي لا تهتمين بي، ولا أعلم عنكِ إلا اسمك”، ما رأيك بهذه المقطوعة؟ دعني أكملها عليك”، توسلت إليه ألا يفعل، وأن يكمل حكايته وحسب.. تابع: “حياتي لن تستمر دونها، سأقذف بها بأقرب حاوية للمهملات – أقصد حياتي وليست حبيبتي الفاتنة – نعم.. فلا خير بعمر أعيشه بعيداً عنها، أص.. دعني أفضفض، فكونك صديقي لا يعني أن وظيفتك الوحيدة هي أن تقترض مني لآخر الشهر، المهم، أحاول ترتيب هدية جميلة لها، سيصادف الثلاثاء عيد حبنا السادس، فكرت بدب أحمر، لكني تراجعت فأسعاره هو الآخر مرتفعة، دون سبب منطقي.. أعتقد أن خروفاً وردياً سيفي بالغرض، خروف أليس كذلك؟ أعني سيكون مناسباً كهدية ها؟”، أجبته: “لا أعلم يا صاحبي ما الذي يمكن لي أن أساعدك فيه، لكني مهتم بأن تكون مرتاحاً على الدوام، ما دمت سعيداً بما تفعل فثق بأني مبتهج، موفق للخير.. وسأدعو الله آناء الليل أن يتوج ما تفعله بالزواج وستسمي ابنك عليّ، لعلّه يصبح مثلي، فـ..” قاطعني بعينين جاحظتين: ومن قال لك إني سأتزوجها؟ أي حماقة ترتكبها يا رجل، أنت وقح.. كيف تجرأت؟ أنا لا أتزوج امرأة أعرفها.. ليتك سألتني عن اسم أمي لكان أهون، فعلاً إن لم تستح فاصنع أشياء غبية، قم بعيداً عني، ليتني ما استشرتك أيها المفلس.. يا الله، ما هذا النهار الأغبر..!

المتزحلقون
الخميس 26 يناير 2012

حسناً يا صديقي، الآن تدخل من هناك، تمشي قليلاً ثم تتزحلق وتسقط، حاول أن تؤدي ذلك المشهد من صميم قلبك، على المشاهدين أن يستلقوا على ظهورهم من أثر الضحك، وأنت يا صالح خذ هذه المخدة.. ضعها على بطنك، لتبدو بكرشة.. قل لي الآن هل تجيد اللهجة الجنوبية، النجدية، الشمالية.. أي شيء؟ طيّب هل تجيد الاستهبال؟ جميل، فلنبدأ.. قبل أن أنسى، بعد أن تنتهي عليك أن تجرّ شعر منال، وتسحق جمجمتها.. أتدري، دعنا نكتفي بالجرّ فقط، ذلك درامي أكثر.. أما أنتِ فاصرخي، زوجكِ متعاطي مخدرات وحالتكم صعبة، ثم تتوبون كلكم قبل أن تذهبوا للجحيم، عفواً الموت، بخصوص دورك أنت يا صديقي فسيكون من يحادث نفسه دائماً، بكل زمان وتحت أي ظرف، أخوك سرق نصيبك بشركة عائلتكم، وأصبحت معدماً تجوز عليك الصدقة، انظر للكاميرا وقل أشياء من نوع “سرقت حلالي يا محسن” أو “والله لأخليك تندم”.. وركز كثيراً على هز رأسك حين حديثك الداخلي.. تحول إلى شرير فهمت؟ دعونا نأكل عيش و.. فنّ يا جماعة، كم مرة عليّ أن أشرح لكم أننا مهتمون بخنق هذه القيمة الإنسانية العظيمة التي تدعى: فن من خلال التمثيل، يساعدنا في ذلك تدني أهميته، علينا الاعتماد على الشعر المنفوش، الكرشة، اللهجات، البكائيات.. وبقية الإكسسوارات التي يتقنها المهرجون، اتفقنا؟
لا تقلقوا مانفعله يساوي ملايين الريالات، الكثير من المحطات لديها الرغبة باحتضان سخافاتنا، والترويج لأعمالنا التي اتلفنا فيها الذائقة.. وخلقت منكم نجوماً بلاستيكية لن يشعر بقيمتها المتدنية أحد، لننجز ما بدأناه.. هيّا لنصور هذا العبط.. ثري.. تو.. ون.. أكشن.

لست كورجياً
الخميس 2 فبراير 2012

تشنجت ملامحه، برز بجبهته عرقان، وقف فجأة، ثم أخذ بشتم كل شيء حوله.. قلت بنفسي وعيناي ترقبانه: يا رب الليالي الموحشة عدّ هذه الليلة على خير، قد ينفجر هذا المتعصب بوجهي، مخلفاً “مجانين صغارا” متناثرين بالمكان، عليّ أن أصدر تعاطفاً من نوع جيّد معه، قلت وأنا أقف مسانداً له: “نعم، فعلاً، ما تقوله هو الصواب، بل لا صواب غيره، أختلف معك كثيراً، لكننا نتفق الآن على أن هذا الفريق البرتقالي، أعني الذي يرتدي الملابس البرتقالية، لا يعرف كيف يمارس كرة القدم.. بل لا يعرف شيئاً أصلاً، كيف لا ننتصر على هؤلاء المتخلفين كروياً؟ مجموعة من الفاشلين لا يتقنون الركض حتى، أنظر كيف يصطفون كطلاب مدرسة ابتدائية بطابور الصباح، سيسجل فريقنا البنفسجي ضربة الجزاء هذه، لاعبنا هذا يبدو من مظهره الخارجي أنه جدير بأشياء كهذه.. الطريقة التي يمسك بها الكرة، تجعلني لا أشك بقدراته.. سينفذها كما نشاء.. لا عليك يا صاحبي، سنفوز، تعال لأحتضنك، كنوع من الدعم، أو دعنا نشجع بصوت مرتفع: عاش البنفسجي، عاش..”، نظر إليّ بعد أن هدأ فجأة، رفع حاجبه الأيمن وهو يقول لي بصوت خافت مطبطباً على كتفي، محاولاً كبت غضبه: “يا عمّ، الفريق البرتقالي هو من أشجعه، ما دمت غير مهتم بكرة القدم فلا تمثّل ذلك، فمنظرك حينها يصبح سامجاً جداً، هل فهمت؟ لا تعتقد أنني نسيت أنه ومنذ عرفتك لم يفز فريقي بشوط واحد على الأقل، يا نذير الشؤم.. الآن اجلس بجانبي ودعني أكمل مشاهدة المباراة، فلا أظنك تجد أن فكرة طردك من المكان فكرة موفقة، أليس كذلك؟” صوت المعلق يرتفع: “يا سلام، قوول، الله عليك يا كبير يا بنفسج يـ..” وقبل أي شيء كنت قد وليت هارباً.

أحسن الله.. فرحكم
الخميس 9 فبراير 2012

المكان كان الرياض، المدينة التي لاتجيد الفرح غالباً ، كان علي أن ألبّي دعوة أحدهم لزواج شقيقه، لم نعتد
– وإن كنت أتكلم عمن أعرفهم – على أن نسعد بزواجاتنا، بل تشعر حين يقذفك حظك الجميل بأحدها أنك بمأتم.. وجوه متعبة وبهجة ذابلة، وتحس أن من بجانبك قد يسقط فجأة بحضنك باكيا، أو أن ينظر لك القهوجي بعين الشفقة ولسان حاله يقول: أتريد قهوة؟ شايا؟ أأنت نادم على اقتراف جريمة الحضور؟
كالعادة قبّلت العريس وقلت له أشياء حفظتها منذ سنوات، كـ: الليلة ليلتك ياعريس، شد حيلك ها..؟ لكنه رمقني بنظرة كأنها تقول: احتفظ بكلماتك المملة لنفسك، أهلا بك على أي حال!.. رجعت لمكاني منتظرا العشاء.. حتى الآن كانت كل التفاصيل تشي بأن هذا التجمع كغيره..
نادى المنادي: يا قوم عشاؤكم، تسارعت خطاي مع من جاؤوا معي، التهمنا أكبر قدر من الأرز واللحم، عاودنا الجلوس بنفس أمكنتنا و.. ثرثراتنا. حينها، أزاح الرجال الكراسي، كل الكراسي، وفرشوا “الزوليات”.. جاءوا بـ”الطِيران”، انقسموا لصفين، ثم بدأ أحدهم بـ”شيل العرضة”، بدأ حينها الجميع بالفرح بشكل لم أعتد عليه، كنت أتحسس وجه من بجانبي لأتأكد أني لم أخطئ المكان، لأن وجهه علامة فارقة على وجودنا بالرياض.. حتى كبار السنّ كانوا “يلعبون” بسيوفهم، واللعب هي المفردة الرجولية المقابلة لـ”الرقص”، كانت القاعة تضجّ بأهازيجهم.. كان السرور بوجه كل منهم، دون مبالغة لم يكن أحد جالسا إلا نحن، قلت لمن بجانبي: لم لا نشاركهم، هل ستصيبنا حساسية لأننا لم نعتد على ذلك؟ وقبل أن أكمل ما قلت كان العريس يحرضني على الوقوف ومشاركتهم، ولأن الإنسان بداخلي كان متحفزا، فلم أكف عن مشاركة هؤلاء الرجال ما يقومون به، الرجال الذين اهتموا ببعث الفرح من جديد.

“دويرة” الإسلام
الخميس 15 فبراير 2012

لا أعلم يا أخي، كنت مترددا عن البوح بما يضج بصدري، لكني لمحت فيك أشياء متشددة نشترك بها.. ما أود قوله هو أني وبعد قراءتي المستفيضة للاختلافات الدينية، والفروقات الفكرية، اكتشفت – وعليك أن توافقني بلا نقاش – أن الإسلام في العالم لم يعد يشبه الذي نفهمه – أعني أنا وأنت جزانا الله خيراً – حتى بعالمنا العربي لم يعد المسلمون كذلك، أشعر بأنهم ليسوا جيدين كفاية، مغشوشين بشكل أو بآخر، بل إني أحياناً أحسّ أن الدين بالخليج أصبح أكثر ليونة وأشد انحرافاً عن مفهومنا الخاص بنا.
قبل أيام توصلت لشيء ما، وهو أن في هذه البلاد الكثير من التجاوزات التي تلقي بأصحابها بعيداً عن “دويرة” الإسلام، وكما تعلم فأنا وأنت مسؤولون عن إخراج الناس وإدخالهم بتلك “الدويرة” بما وهبنا الله من علم ومقدرة على تصنيف الناس وفرزهم حسب ما نعتقده وحدنا. يا أخي أشك أن الناس هنا في ضلال.. ما تفاجأت به هو أني حين تقصيت عن عائلتي وجدت فيهم من لي عليه ملاحظات سجلتها بورقة، سأريك إياها لاحقاً.. المهم ما أود أن أنهي به حديثي هو أني على يقين بأننا – أنا وأنت – نسير على الطريق القويم، والصراط المستقيم.. هذه خلاصة ما وصلت إليه بعد هذا الجهد الاستكشافي لنوايا البشر.. نحن على قدر عال من الصفاوة.. فرك صاحبه أصابعه.. عدّل جلسته وهو يقول: ما قلته هو عين الحق، بل إنه موغل بالحقيقة، فسبحان من ألهمك معرفة طبائع البشر وتبايناتهم، فنحن جودتنا عالية، ونوايانا خالصة، لكني وقبل أن ألتقيك كنت أقول لنفسي إنني ومنذ مدة وأنا أرقب تصرفات فيك تركلك بعيداً عن “الدويرة” إياها، مما يجعلك مثلهم مع الأسف، ويحيلني تلقائياً لأكون الفرد الأنقى والأتقى و.. لأبقى الرجل الوحيد الذي يتقاطر كمالاً، لماذا تنظر إلي مندهشاً. ألا توافقني..؟

جريح الغرام
الخميس 22 فبراير 2012

ها أنا أستفتح يومي بصوت المذيعة وهي تهدي “جريح الغرام” الذي يبدو أنه لم ينم منذ البارحة أغنية عن الحب ذي النظرة الأولى، بالظهيرة يحاول أحدهم ترك إحداهن بالحلقة قبل الأخيرة من مسلسل “أشواك العشق” الذي أستطيع أن أخمن ما سيحدث بحلقة ختامه ليوم غد: الكثير من المخدرات والموت أيضاً..
بالمساء تصلني رسالة دعائية على جوالي عن الخطوات الناجعة لأصبح كائناً يتقاطر رومانسيةً، بعدها ألبي دعوة صديق لزواج أخيه الذي لا أعرفه، أتسمر حينها أمام كمية هائلة من القصائد التي تهتم بتفاصيل غابرة، وسيل هائل من المديح لأناس شبعوا موتاً.. يصرخ الشاعر المتحمس بالحضور: “نروح للغزل يالربع”، والترجمة: هل أنتم مستعدون لقصائد أمتدح بها شَعر حبيبتي الطويل، وكيف أن عينيها جميلتان لحدٍ يجعلني أسقط من علٍ، والمزيد من المشاعر المغشوشة، يصرخ الجمهور بـ: “إيه”، يتنهد من بجانبك قاطعاً عليك حبل همومك التي تحاول أن تصل معها لحل وسط، هامساً: “إي والله، تكفى..” يبدأ أخونا ببث رسائل عاطفية يبدو أنها تهمه وحده، يشاركه الجمهور بالتصفيق.. أستيقظ على صوت من بجانبي يطرق كتفي.. بالطريق للبيت لا يبدو أن جريح الغرام قد نام، أغلق إذاعة الـf.m وأنا أمضغ النعاس، حين أستعد للنوم يتصل بي صديقي – الذي تقذفني الأقدار أمام فضفضته كل ليلة – عن التي يحبها ويفكر بالزواج منها لكنه لا يخفي شكه الذي يكاد يفتك به بأنها ربما تحادث غيره كما حادثته للمرة الأولى.. حينها أغفو، وصاحبي لا يزال يثرثر.. بصباح يومي المتكرر، ألتقط جهازي وعلى شاشته يبدو التالي: جريح الغرام يتصل بك، أردّ بصوت نصفه نائم، يبادرني قبل التحية بـ: دعني أكمل لك يا رجل ما غفوت أنت عنه البارحة..!

الشيخ : نكد
الخميس 1 مارس 2012

يا أخوان، وأيم الله ما جمعني الليلة، بفرح أخينا سعيد إلا إشفاقي عليكم، محبة لكم، ولأني لا شغل عندي الليلة، أيتها الكائنات المتأنقة، ها نحن نلتقي لقيا المبتهجين، الفرحين، نتقاذف أطراف الأحاديث ونبتسم، نهز رؤوسنا لبعضنا البعض وكأننا نفهم ما يدور حولنا، قبل أن نشرب القهوة ونفعل بقية تلك الطقوس الرتيبة، ثم ماذا..؟ هل يعلم أحدكم أنه ربما يموت الليلة؟ نعم.. هل تعلم أيها العريس أنه ومن الوارد جداً أن تقص تذكرة مغادرتك عن هذه الدنيا؟ أن ترحل بلا عودة، قبل ليلة دخلتك..؟ أنت لا تفهم، صدقني.. أنت كذلك، فحين تفرح بليلتك هذه دون أن تتذكر الموت الذي يحيط بك، فأنت ترتدي الغفلة.. وعمك الذي يبدو أنه يشاركك السرور بعد أن ألهب ظهرك بآلاف الريالات كمهرٍ لابنته؛ لا يعرف كم تبقى له حتى يرى أحفاده منك.. وأنتم أيها المصطفون جلوساً بجانب بعضكم البعض ككتب عتيقة مرصوصة، هل همس أحدكم بأذن من بجانبه قائلاً: “هيه.. ترى يمكن تموت..”! هل فعلها أحدكم..؟ قطعاً لا، تضعون رجلاً نحيلة على أخرى وكأن الأمر لا يهزكم..
حدثني ابن عمّي عن رجل ثقة أن أحداً ما قال لهم قصة مخيفة انتهت بوفاة أحدهم وهو يفتح باب شقته. يا أحبة.. والله إني مهتم بتذكيركم، وبألا تتجاهلوا ما نغصت به ليلتكم، وأتلفت به لحظاتكم الجميلة، مع أني لم أر دموعاً جماعية تسيل على وجناتكم، إلا أن ضميري النكدي.. استراح. بنهاية حديثي إليكم أبارك للأخ العريس ما فعله، ولا أجد تفسيراً منطقياً لبكائه الآن..
حدّق في ساعته، وتمتم: أين ذلك الرجل الذي يصرخ عادةً: “قوموا يالربع على عشاكم”؟

فيلم الرعب : كتاب
الخميس 8 مارس 2012

في القرن الخامس قبل الميلاد، أمر “تشي هوانج تي” وهو ديكتاتور مخبول من أولئك الذين يغص بذكرهم تاريخنا الإنساني، أمر بمطاردة كل الكتب، كلها.. وحرقها حين اعتلى سدة الحكم.. لأنه – وطبقاً لوسوسته – كان يؤذيه رؤية المعرفة تزدهر بإمبراطوريته، فأعدم القراءة.. ومع حجم جرم ما فعله إلا أنه يعد نتيجة طبيعية؛ فالثقافات التي تستند على أساسات واهنة وهزيلة، تترصد لكل رأي وتخشى من أي كلمة لا تتفق مع ما اعتادت عليه.. فتجدها في حالة حرب دائمة مع الرأي الآخر، تتوهم بامتلاكها الحقيقة المطلقة.. وبأنها المسؤولة الأولى عن تهذيب أفكار الناس، لا تمارس كل ذلك باللين ومقارعة الحجة بالحجة والفكر بالفكر، بل بالقوة التي لم يخولها أحد بها، وكأي قوة متعدية، فهي تنتج أعداءها بنفسها، ليس هذا فحسب، بل تشعرك بأنها إن لم تواصل آناء الليل بأطراف النهار تضييقك على أولئك السيئين الموهومين، فإن أمرك مشكوك فيه. هذه الوصاية تتحمل المسؤولية عن جمود العقل وضمور الإبداع الذي لا يمكن له أن ينمو داخل قنوات ضيقة يُجبر الناس على الرؤية من خلالها.. على النقيض فإن الثقافات التي تقوم على أساس إنساني ومنطقي متين، لا تخشى من كتاب، ولا تتوجس من رأي مخالف.. متسالمة مع المختلف ولا تجد الأمر فاجعة، بل عقلانية.. لذا هي تزدهر وتنهض مجتمعاتها.. وحتى وإن لم يكن ذلك مقنعاً، وبأن تجارب الأمم لا تعني شيئاً، فإن عهد الإنترنت وفضاءاته المفتوحة لن تستأذن أحدا، وستكسر المنع الذي لا يقتل الأفكار بل يحييها أكثر.

الأطباء جيدون : عنوان متحايل
الخميس 15 مارس 2012

“يا رجل هذا يكاد يخلع عقلي قبل ضرسي” قلت بعد أن استويت: عفواً..؟ تابع: “الأطباء هنا مخيفون، ألا تطلع على الأخبار، أعداد الناس بدأت تتناقص يارجل”.. كنت حينها قلقاً وأنا أسمع أدوات طبيب الأسنان تواصل حفرها بضرس أحد المستسلمين أمامه، حتى وإن أبديت تفاعلاً مع مباراة لكرة القدم بين فريقين سويسريين لا أعرفهما، إلا أنه وسرعان ما تتنقل عينيّ يميناً ويساراً حين سماع ذلك الصوت الذي يخيل إلي أنه منشار كهربائي بيد حطاب.. طبطب على ركبتي وأردف: “هل تعتبرني مثل أخيك”..؟ قلت: لا شك بذلك مع أني لا أعرفك، هز رأسه: “لذا أنا مهتم بالحديث معك، فسحنتك البشعة تذكرني بأخي الذي توفي بعد أن هوى ببطنه مقص الطبيب.. أطباء كهؤلاء خطرين، سامّين، قد يخطئ أحدهم بشيء تدفع أنت ثمنه الذي يعادل حياتك.. تخيل يا أخي الافتراضي، أني حين أفتح فمي أمام الدكتور يوسف وتبدأ آلاته البغيضة بالدوران قبل أن يطلب من الممرضة جذب الإضاءة نحو وجهي القلق؛ أشعر أن شيئاً ما سيحدث، أرقب كمامته التي غطى بها نصف وجهه، يبدو حازماً، بينما أقول لنفسي: قد يثقب هذا العجوز سطح فمي العلوي، أو أن يخترق مسماره الدقيق رأسي وهو يتحدث ككل مرة أزوره فيها بأن أسناني بحال يرثى لها.. أو أن يغمى عليه من فرط إجهاده فيسقط بثقله علي.. مخيف أليس كذلك”؟ ابتلعت ريقي وتمتمت: لا مطلقاً.. رفعت رأسي للتلفاز: “المباراة باردة ها..”؟ صوت الممرضة تنادي اسمي، نظر إلي، ابتسم.. بدت أسنانه الأمامية مفقودة، قال لي: “أليس هذا اسمك”؟ قلت: لا، لا.. ليس أنا..أسند ظهره على الكرسي الحديدي وهو يقول : ” سيأتي دورك يوماً .. بلا شك”

أنت لا تعرف.. أنت تفكر
الخميس 22 مارس 2012

“سيقودني هذا للجنون ” قلت بعد أن استويت: عفوا..؟ تابع: “الناس هنا يعرفون كل شيء عن أي شيء”.. سكت، كان ينتظر ردة فعل ما، لكني كنت متصنماً، فقرر أن يواصل: أصبحت محاطاً بمجموعة ضخمة من العارفين، كنت أعتقد أن الأمر لا يتخطى حدود عائلتي التي توارثته أباً عن جد، لكني اكتشفت أن الحكاية شاسعة.. يخبرني الحلاق قبل قليل أن الجو سيكون حاراً ليوم غد وعلي أن أتخلى عن الملابس الثقيلة التي أرتديها، وهو نفسه الحلاق الذي لا أعرف لم عليّ أن أضاعف له المبلغ بكل مرة، لأنه من جنسية مختلفة عن الآخرين.. في المناسبة التي تهندمت لأجلها يتصدر أبو حمود المجلس ليفند توازنات القوى في هذا العالم المضطرب ومصالحها التي تنكمش بالالتقاء وتتمدد بالتضاد، يهتز من بجانبه متمتماً: “يا أخي هذا العالم مشاكل”، الذي يصب القهوة يعرف بدوره شيئاً آخر إذ يقول: “هناك نيزك يوشك أن يفلق الكرة الأرضية نصفين فترتاح المجرة منا ومن مشاكلنا، ومن هذه الدلة الساخنة التي أضطر لمسكها كل مرة “، يصمت الجميع ثم يقفز أحدهم بالحديث عن شاب يعرفونه اشترى سيارة فرنسية، تبدأ الفتاوى بالظهور فيعلق من بجانبي الأيمن: “السيارات الفرنسية لا تصلح، فالفرنسيون بارعون بالعطور فقط، وعليهم ألا يجربوا صناعة السيارات، فلم تكن المسألة يوماً لهم”.. أثناء ذلك يتصل بي صديقي ليخبرني أن وجهة السفر التي سنذهب لها غالية، وأنه يعرف عن الأمر أكثر مني، مع أنه لم يتخط حدود الرياض.. من بجانبي الأيسر ينبهني أن الجلوس بهذا الشكل يؤثر على خلايا المخ، عرف بذلك من زوجته التي تتسمر أمام شريط تلك القناة التي تتحدث بها النساء عن أي شيء.. لم أتحمل الأمر فهربت، وأنا هنا الآن.. هل عرفت حجم ما أعانيه؟ قلت: “اشرب قهوتك ثم اذهب لبيتك، هذه الحلطمة لن تنفعك أنا أعرف منك بها”.

وراء كل رجل عظيم : مال
الخميس 29 مارس 2012

اسمع يا بني، فقد أقص تذكرة مغادرتي عن هذه الدنيا ثم لا تجد من يسدي لك النصائح، ما يهمك أن تسمعه مني هو أن كل ما تراه من ثروة متفاقمة، هي من كدّ يدي، عرق جبيني و.. أشياء أخرى لا وقت لدي لشرحها لك.. تخيّل، كنت أستيقظ فجراً، أذهب إلى عملي المتواضع ثم أرجع للبيت وحسب.. تصّور؟ ثم بعد كل هذه السنوات العجاف يأتي من يقول لك بلا مبالاة: من أين لك كل هذه الأموال؟ يبدو أن علي أن أطبع سيرتي الممتلئة بالمثابرة والجد وألصقها على جدرانهم، أشعر برغبة بالضحك.. هل تشاركني ذات الرغبة؟ لا تريد؟ المهم ما أنوي قوله هو أن هذه الريالات التي جاهدت في سبيلها إنما هي وسخ دنيا، الدنيا النتنة.. حين ألمسها، أعدّها.. أشعر بأن لدي رغبة جامحة بغسل يدي، مسحها على كل جدار أتخطاه.. أعلم أن كادحاً مثلك تعصره الحياة قبل نهاية الشهر لا يستطيع إدراك ما أتحدث عنه، فضعف علاقتك بالريالات سيجعلك ترى بالأمر مبالغة.. أتعلم حين أصبّح بوجهك أقول بنفسي العفيفة: ماذا لو أنا مكان هذا الضعيف، لكني أتعوذ بالله من شر الوساوس ثم لا ألبث إلا وأرجع لتصوري نفسي مكانك بسيارتك القبيحة وهيئتك المسحوقة.. ابتسامتك الغائبة ووقتك الضائع بحساباتك المالية، وقلقك الدائم من البنك تارة ومن صاحب البيت الذي تستأجر شقته العلوية تارة أخرى، فواتيرك، بل وحتى قيمة فستان زوجتك، أعني بمجمل حالتك التي تكسر الخاطر، صدقني من الأفضل أن تتأقلم بكونك خلقت مديوناً وترضى بأنك ستموت مفلساً.. فذلك أقرب للزهد وأنفع للتقوى ولتفعيل تسليمك بقضائه وقدره.. فكما أقول دائماً: القناعة بالفقر: غنى.. هل تود أن تقول شيئاً بنهاية هذه العظات التي أمطرتها على رأسك، تبسم بشكلِ ميت وغنّى وهو يمشي مولياً: أحب الأغنياء ولست منهم لعلي أنال بهم.. أي شيء.

الرياض السمينة
الخميس 5 أبريل 2012

ها أنا أمتطي سيارتي نحو مكان قيل لي إنه جميل، تخطيت خمس إشارات، أقف عند كل منها بمعدل مرتين.. حفظت وجوه الناس هنا، على يميني من يبدو أنه مجبر على الذهاب بزوجته إلى السوق، يهز أصبعه غاضبا بينما تبدو هي بحالة طاعة، على يساري رجل طاعن في السن يسدي لابنه المراهق المتململ كمية من النصائح والعظات كعادة الكبار، ابنه اللامبالي بدوره ينظر يمينا، وكأنه يكتشف شيئا ما.. خلفي من يطلق منبه سيارته، أنظر للمرآة، يؤشر بيده مرفقا معها – ربما – شيئا من الشتائم، لا أعلم، ما أعلمه أنه لا يبدو مرتاحا.. بالسيارة التي أمامي جمعٌ مبارك من الكائنات تقوم بالرقص على أغنية لا أستطيع تمييز كلماتها، لكنها كانت كفيلة بهز أجسادهم.. الأضواء المبعثرة بكل مكان.. الازدحام خانق، “من أطلق إشاعة أن الآخرين ذهبوا إلى دبي، لم يسافر أحد.. صدقني “أحدث نفسي بصوت مرتفع، أقوم تلقائيا بنقر زر تشغيل الراديو، تبدو المذيعة تمثل دور الضاحكة، قبل أن تقترب امرأة من سيارتي، ثم تغير مسارها، ولسان حالها يقول: “لا.. ليس هذا من قد يعطيني مالا، لأن سيارة رديئة كهذه لا يرجى من صاحبها ريال واحد، وبحسب تجاربي فإن وقوفي أمام نافذته المتسخة ما هو إلا مضيعة للوقت”.. تخضّر الإشارة يعاود من خلفي شتمي من جديد، تبدأ السيارات بالتحرك، من بجانبي يحاول تجاوزي غصبا، يبدأ الطريق بالانحسار، إحدى شركاتنا تحاول إفساد الشارع وبالتالي إصلاح فضيلة الصبر فينا..” الرياض الأسمنتية تضخمت، بليلة واحدة لا تستطيع قضاء ربع مشوار، وهو المشوار المسؤول عن تعكير مزاجك حتى تنام، لا يوجد هنا ما يسمى متعة القيادة، بل متعة الوصول سالما” وقبل أن أكمل أغلقت كل الأمكنة هنا، ورجعت مفلسا إلا من التعب… لارتكب هذه الحلطمة كتابةً.

لم تبنِ الكراهية يوماً :وطناً
الخميس 12 أبريل 2012

يطحن صديقي سعيد ربع يومه بمجاهدة من يعتقد أنهم على خطأ، ولكونهم يختلفون عنه، سيدخلون النار لا محالة.. ومهمته هنا إنقاذهم، بالطيب أو بالإكراه.. ويوماً بعد آخر يبدو متعلقاً بفكرة أنه الوحيد الذي سينجو ومن يتفق معه، أما من يختلفون معه فمؤمنٌ بأنهم سيؤبدون في نار جهنم، ومؤخراً بدأ الرجل بتنظيم نفسه وترتيب جدول يومه وتوزيع المهمة على أصدقائه من ذات التوجه، يحاول وبكل مرة أن يحترق كرهاً لهم، وينجح، فيموت الإنسان به.. متحمساً يحكي لي: هؤلاء البشر أشد خطراً علينا من اليهود، بل إن اليهود حمائم سلام بجانبهم، هم الثعابين.. سامون جداً، ألم تقرأ عشرات المطويات حين كنت صغيراً مثلنا؟ أتعلم حين أنظر لوجوههم أشعر بكمية هائلة من البغض تعتمر في صدري، أصواتهم أتمنى لو استطعت إخراسها بكل مرة أستمع لها.. أنت لا تعرف.. من هم مثلي من الفرقة الناجية يعرفون ذلك، مهمتي التي سأفني وقتي لأجلها هي تصفية عقائد هؤلاء البشر التي علق بها الشرك ، لأني – وكما تعلم – مسؤول عن إيمانيات الناس، ومحاكمتها.. علينا إن كنا مسلمين حقاً أن نستميت لئلا تقوم لأحدهم قائمة، هكذا حدثني شيخي، وهكذا سأحدث تلاميذي الذين بدؤوا يثنون الركب لدي بعد أن أصبحت شيخاً تحت التدريب، ليسوا أحراراً فيما يفعلون، نحن كذلك فقط.. منطق الحرية الذي تتشدق به في كل مرة نجلس بها معاً دعه جانباً، فهو ثانوي.. حقدك الصادق عليهم هو القيمة الإنسانية الأولوية، هل فهمت أيها المستنير؟ يا رجل المحبة والتعايش وبقية هرطقات أهل الغرب الذين يريدون ببلادنا كل سوء.. الآن كف عن إشغالي يا متغافل لدي ما هو أهم من التبرير، لدينا هجمة مباركة على مواقعهم، أتمنى لنا العون من الله.

اللهم اجعله مفكراً
الخميس 19 أبريل 2012

هي دعوة الوالدة حين أغضبتُها ذات طفولة، رفعت يديها للسماء وقالت بصوتٍ غاضب: “اللهم وأنت تعلم أن هذا الشقي قد أساء السلوك فاجعله (مفكرا) “، سمع والدي حينها ذلك فحاول ثنيها عن دعوتها الماحقة لكنها استطردت بإيمان ما زلت أذكره: “اللهم اجعله مفكرا لا يهتم لأمره أحد، وتنصب له المحاضرات ولا يحضرها إلا ابنه الذي جاء به، وطالب إعلام تحت التجربة يعد تقريرا صحفيا ليختبره به مسؤول تحرير الصفحة الثقافية، يا قادر اجعل ندوته تقام بوقت مباراة بين فريقين كسيحين من الدرجة الثانية تشد لهما رحال الناس ليتركوه مع مايكروفونه وحيدا، يا عزيز زد من ندرة نوعه وغربته بمجتمعه حتى يستوقفه أحد المارة متسائلا: أتعرف فهيد عايش؟ فيجيب بوجه ممتلئ بالخيبة: لا.. فيرد عليه: يا سبحان الله أنت تشبهه، كنت أعتقدك هو.. نفس ملامح الوجه الميتة، تزاملنا بوظيفة “هتيّف”، كنا نصرخ خلف النوق أيام اختيار ملكة جمالهن، كانت أياما لا تنساها الذاكرة، فرصة سعيدة يا أخ على أي حال.. يا جبار دعه يتحدث في حين يتهامس من بجانبه قائلين: ما الذي يقوله هذا الثرثار؟ هل فهمت شيئا؟ يبدو أن هذا الرجل – تبارك الله – يتحدث لغة الماندرين، فيسمعهم ثم يختتم كلمته على عجل، موليا وجهه شطر بيته لينام على وسادة الخيبة قبل أن تطبطب عليه زوجته قائلة: ألم يكن من الأفضل لنا لو كنت متسابقا بتجمع العرب النادر لاختيار المواهب، أو مجربا لحظك المائل بالأسهم.. لقد تعبت من احتوائك كل ليلة، ليت كتبك تساعدني.. المهم سأنام، بالمناسبة غدا احتاج مالا للذهاب للسوق، تصبح على خير، يا مصرف الأمور ادفع صبية الحيّ لملاحقته حين خروجه منشدين: “المفكر أهوه.. المفكر أهوه”..

* جزء من مذكرات المفكر السعودي: مطلق الدولكه، رئيس جمعية حماية سلالة المفكرين السعوديين النادرة.

انتبه .. فقد تتزوج
الخميس 26 أبريل 2012

قابلته وقد ضربت السعادة أطنابها على محياه.. بدت الابتسامة عالقة بنصف وجهه السفلي، متأنقا.. بعد أن جلس حدثني بثقة: “أيها المسكين هل ما زلت عزوبياً؟ لا تجبني فوجهك يفعل ذلك وهو يشبه وجه من غص للتو بشيء ما، لم تتغير ملامحك، ذاتها الغائبة عن البهجة، المثيرة للشفقة.. كنت مثلك أستيقظ بوقت لا أعرفه، أصرف وقتاً شاسعاً للبحث عن طاقيتي، يعاملني الزملاء بالعمل كناقص أهلية، يشفقون عليّ حين لا يضعون اسمي بجدول القهوة الأسبوعي، يدسون حكاياتهم حين وجودي بينهم حفاظاً على أخلاقي من الانزلاق.. ويأتي السؤال الأزلي يطرقني: متى ستتزوج؟ أبناء من هم مثلك اقتربوا من طولك؟ تتداخل الأيام ببعضها، يشاركني سريري كل ما يمكن لك تخيله، ليس آخرها حذائي الذي لا أعلم كيف تسلق هناك.. كانت حياتي أشبه بشنطة كهربائي.
أما الآن فأكاد أقبّل الحياة من تفاقم البهجة بي، أقول لنفسي: لم لا يتزوج كل السياسيين بهذا العالم الذي تعتصره الكراهية؟ ستكون النتائج مدهشة “اختفى بعدها عن المشهد، قابلته بعد أشهر من الحكاية أعلاه.. نظر إلي، شعرت بأنه على وشك أن يحفر رأسه بيده، بدت كلماته باردة وهو يقول: ما الذي فعلته؟ زواج؟ أين كان يختبئ عقلي حينها؟ لا أشك أني كنت مسيراً من قوى خارقة للطبيعة، ما هذه الورطة التي دفنت نفسي بها؟ لا يمكنني التراجع بعد أن طرحت أطفالاً بهذا العالم أصبحت أباً، أنا أصبحت أباً؟ أقترب من خط الكهولة وأنا لم أتخط نصف عمري التقريبي.. تعيس، بل إن التعاسة تتبرأ مني.. ليتني أستطيع إعادة شريط ما حدث، والله لأفِرّنّ مما ارتكبت فرار الراحة مني هذه الأيام، الآن وحسب فهمت لِمَ يفتعل السياسيون الحروب بهذا العالم المغلوب على أمره، الآن فقط عرفت!

أيها الجوخ.. من يمسحك؟
الخميس 3 مايو 2012

سمعت عن عصاميته، وصعوده أكتاف المسؤولين، أعني المسؤولية.. اعتكفت عنده علّي أنهل من معين خبرته، وخصوصاً فيما يتعلق بالتفاعل مع مديري، حيث أجد صعوبة في التعاطي معه وكأننا كائنات للتو تعرفت على بعضها، أفضى إلي ببعض سرّه قائلاً: (أصبحت علاقتي بالمدير من أجمل العلاقات العملية على سطح هذا الكوكب، بعد أن أسعفني أحد المتقاعدين بوصفة طويلة لمسح الجوخ أسهمت بنضوج المنافق الصغير بداخلي، تبدل الحال فأصبحت كل حكايات المدير مثيرة، وكل نكتة سمجة يلقيها أسقط مغشياً من فرط قهقهتي عليها، الشاي والقهوة التي يحضرها معه من أجمل المشروبات التي أعدها بنو البشر عبر العصور، “الحلى” المصنوع بالبيت والذي يتقاطر مرارة أضحى لذيذاً لا أمل من بلعه كلما وقفت أمامه مجاملاً: تبارك الله يا أبا محمد، لو لم ينتج عن الزواج إلا هذه الأشياء الشهية، لكفاك.. رأسي صار “يتدلدل” بكل مرة أدخل فيها عليه المكتب، أنحني تلقائياً مردداً: “سمّ، أبشر.. مالك إلا طيبة الخاطر طال عمرك”.. حتى حين ينتقد موظفاً ما أجدني مندفعاً لشتمه، وتحقير عمله قائلاً: “فواز؟ سبحان من ألهمك صبراً عليه وحلماً تجاه ما يفعل، لو كنت مكانك لطحنته محولاً إياه إلى موظف أرشيف صغير”.. نعم، صحيح أنه وفي بعض الأحيان يرد على ذلك بـ “شكرًا أيها الموظف العنيف، اذهب لمكتبك ولا تشغلني بثرثرتك، إلا أن علاقتنا تتفاقم لتصبح أكثر متانة ولله الحمد، مثلاً أصبحت مسؤولاً عن نقل أبنائه الشياطين من وإلى المدرسة، أستمتع بلكماتهم الصغيرة على رأسي وأنا مستمّر خلف مقود السيارة لا أحرك ساكناً، ولا أسكن عفريتاً متحركاً منهم).
كنت مندهشاً من مدى تفانيه بذلك، قاطعته: وكم مرةً عليّ أن أمسح جوخه؟ قال: حتى تجد من يمسح جوخك، كررها ثلاثاً ثم اختفى..

“يوم النفوس طيبة”!
الخميس 10 مايو 2012

لم تكن المرة اليتيمة التي أتربع فيها بجانب “أبو محسن” وهو يلقي بحكاياته: “حين كانت النفوس طيبة يا ابني كنت أقضي الليالي سارحاً بشياهي النحيلة مع امرأة ما، سقى الله تلك الأيام، كنا نتسامر، نتطارح.. أطراف الأحاديث، على صوت ثغاء حيواناتنا الجميلة، كان الأمر روتيناً لا فضيحة فيه.. لايستنكره أحد، ولا يطوف به البرودكاستيون، معنونين ذلك بـ ” فضيحة سعودية مع رجل وأغنامه..”، لم يكن للشيطان وقتها دور يذكر، فكنا نسهم في تقاعده المبكر حينما يعجز عن الإيقاع بنا، أما نحن فكنا ملائكة.. ملائكة تحفها ملائكة، تتسرب منّا الفضيلة كلما مشينا.. كانت النوايا “متبّلة” بالفضيلة، كائنات نورانية.. آخ أيها المتطور، ليت الماضي النقي يرجع، على الأرجح سأتخلص مما يحدث هذه الأيام التي انتكست فيها الأحوال، وفسدت النفوس وتعفنت النوايا، أصبح اقتراب الرجل من المرأة كاقتراب النار من الهشيم، قطعاً، النار هي الرجل، أما الهشيم فسأترك الأمر لسعة اطلاعك، ما الذي تبدل..؟ وكأنكم كائنات تتقابل للمرة الأولى على سطح زحل، تتحسسون وجود بعضكم، متحفزين لتفسير ردة فعل الآخر منكم على أنها سيئة، متوجسين بأفكارغريبة حين تتواصلون. “كنت مستمعاً جيداً وهي عادتي معه، إلا أنني كنت أقول لنفسي: ما تقوله عن هذا الدور العظيم المتخيّل لـ “النفوس الطيبة” خرافة يا رجل، بل كانت “السلوم والعوايد” المتعارف / المتفق عليها من أكثر قوانين العالم الوضعية صرامة على رغم بدائيتها، فكان من يتخطاها يرتكب جرماً قبل أن يحاكم.. همز ركبتي وهو يقول: “أليس كذلك؟ قلت: بلى، ما دمت وجدت على هذه الأرض قبلي، فذلك يعني أنك أعلم مني ياعم”..!

و .. حلاق
الخميس 16 مايو 2012

و.. أرخي رأسي كسنبلة، أجلس على كرسيه الجلدي الذي يشبه ما كنت أراه بتلك الأفلام التي تنتهي بصعق أبطالها كهربائياً، أنظر لوجهي وأحدثه بنفسي: كبرت! لم تعد تجدي الحلاقة نفعاً، ها أنت تقترب من الكهولة، حينها لن يهتم حتى وجهك بك، يقاطعني الحلاق متسائلاً ما الذي سيفعله برأسي، “كما تفعل كل مرة” أجيبه، يبدأ بإظهار محاسن أدواته أمامي ليبعث لي رسالة مفادها: نحن الأكثر نظافة على الإطلاق، لا ترتعب أيها المسكون بفوبيا الاتساخ.. وتزامناً مع فركه لوجهي يتحدث معي عن أن الرياض مدينة جميلة، أقول له: “أشك بأنك تعني ذلك”، فسرعان ما يشتمها، متحطماً: “فعلاً ليست جميلة، على وشك أن تطفح سكانياً، قد يلتصق بوجهك مواطن قذفته الجموع”.. أحذره من أن الموس الذي انهمك بالحديث عنه يقترب من رقبتي، يضحك: “لا تخف، لن تموت الآن.. سيأتيك خلاصك من هذه الدنيا حين تفكر فيه، هكذا قالت لي جدتي.. يبدو أنك تحب الحياة جداً”، أعلق على ما قال: “نعم، فالظاهر لك أني الوحيد على هذا الكوكب المطحون الذي يهيم عشقاً بالحياة، حالة نادرة أنا أليس كذلك؟ لا تستبعد أن يعلق أحدهم على لوحة كتب عليها: آخر الرجال الذين يحبون الحياة، بينما الآخرون يجلسون مع الموت كل ليلة ليقنعوه بأن يأخذ أرواحهم لكنه يرفض، نعم لا أحد يتشبث بالبقاء حياً لسنوات أُخر إلا أنا..” يقاطعني: “لِم تبدو غاضباً؟ كنت أمازحك”! أخبره أن عليه أن ينهي عملياته التي يرتكبها برأسي. ينتهي الأمر على خير، حين خروجي وبعد أن تفحصت وجهي بالمرآة أتمتم: لا أبدو أني كبرت كثيراً، بعض التفاصيل الصغيرة تخلق فروقاتٍ شاسعة.. حسناً ها أنا أبدو حكيماً من جديد.

مسرح ؟ هل تمزح ؟
الخميس 24 مايو 2012

اقترب مني ناصحاً: “يا ابني التمثيل حرام”، كنت حينها طفلاً لا يتجاوز طولي ساقه! نظرت له من الأسفل وأنا أقول بفهمي البسيط وبفمّ أثرم: “بس يا أستاذ ما معنا بنات”! أجاب سريعاً وهو يمسح رأسي المثلث: “ولو يا بابا، ولو”.. صُفّت طاولتان كبيرتان بجانب بعضهما، فُرشت بشيء رخيص، يتدلى من فوقهما المايكرفونات، أما الستارة فكانت مستلفة من غرفة المدير.. كنت أرتدي زيّاً مسرحياً لا يناسبني تماماً، وأحفظ نصاً كتبه لي معلمي التونسي، قبل أن أحاول جاهداً أن أفعل شيئاً على الخشبة يصفق له الحاضرون.. بعد اختتام الحفل، جاء من ظنّ حينها أنه أفضل من بالحارة تديناً، ليقول لأبي إن ما أفعله رجس من عمل الشيطان، ولزاما عليه ردعي قبل أن اعتاد المشي على هذا الطريق العفن.. قطعاً لم أكن حالة فريدة تستدعي تدخل منظمات حقوق الطفل، بل حالة متكررة.. بعد ذلك بسنوات؛ حضرت مسرحية كاد يقضى علي فيها وأنا لم أتخطى ربع حياتي المفترض، وقتذاك شاهدت رجلاً بدا من سحنته أنه من الغرب ولسان حاله يقول: “هذا الجزء من المسرحية يبدو مشوقاً”.. لم يكن ذلك الجزء الذي يتحدث عنه إلا مجموعة من المجانين هبّوا لتهشيم المسرح وتخريب الحدث.
هذه الأيام تبدو النتيجة مسرحيات عاجزة، فأداءات الممثلين كسيحة، النص يجلب النعاس، الديكور يعاد تعريفه بكونه “كراتين ملونة”، أما الضوء والصوت فعلاقتهما متوترة مع ما يحيط بهما، ورغم أنك تهرب من الهموم التي تتراكم عليك منذ الصباح لمسرحية ما إلا أنك تكتشف أن همك تضاعف، ومتعتك استقالت تلك الليلة، وبأن هذه المسرحية تحتاج مسرحية.. وأنه ليس من الصائب القول إن المسرح أبو الفنون، بل إنهم يلتقون بالجد الجد الخامس عشر لدينا.. وأن عليك أن تذهب لتنام مغلقاً ستار يومك.

تختلف معي ؟ حسناً دعني أقتلك
الخميس 30 مايو 2012

“أنت صديقي، لا أتخيل حياتي تركض بدونك، ونعم الرجال أنت.. أيها النادر، حين يأخذ الله روحك الجميلة أعدك أني سأبني لك متحفا صغيرا بسطح بيتي.. جرب فقط أن تموت وستعرف حجم مودتي لك، سيشرفني أن أشرح لك طرقا شتى لخلع حياتك عنك، سأساعدك في ذلك فأنا – وكما تعلم عبر سنوات – لا آلو جهدا في معاونتك في شيء أنت تريده، مفردة (آلو) سمعتها مرة من مسؤول، فإن كنت لم تفهم معناها، فأنا أيضا لا أفهمه.. المهم، إني أدعو الله كل ليلة أن يحفظك من أي شر فمثلك خسارتي له كخسارتي بسوق الأسهم ذات يوم، مرّة.. حادة.. تولي ولا تجد من يعوضك.. صفعة ستوجه لخط سير حياتي إن أنت غبت عنها”..
أدار التلفاز، سمع اثنين يتجادلان بموضوع ما وبينهما مذيع يحاول لعب دور الحكم بصراع ديكة.. التفت لصاحبه قائلا: “هذا الرجل يهذي” أجابه: “لا، يبدو مقنعا”.. خفض الصوت، قال له مستفسرا: “عفوا، لم أسمعك.. هل تعتقد أني على خطأ.. فقط لأفهم الأمر بشكل جيد، هل تختلف معي؟ يبدو ذلك..أنت تختلف معي، ما هذه القوة التي جعلتك تفعل ذلك؟ أنت لا تستحي، سبحان من غرس بك كل هذه الجرأة، تجلس بجانبي وبكل تخلف تقول شيئا لا أؤمن به.. هل أنت علماني أو تنتمي لصنف معدّ مسبقا؟ دعني أرى وجهك.. فعلا تبدو كذلك، يا خسارة القطعة الأدبية التي قلتها بحقك قبل قليل، ليتني قلتها بحضرة أحد الأغنياء على الأقل إن لم يبتسم بوجهي فسيعطيني مالا أكثر قيمة من جلوسي بهذا الجو معك، أعطني (الريموت)، أغرب عن عيني وأغلق الباب خلفك.. لو كانت لي قدرة لقبضت عليك بتهمة الاختلاف، أيها الشاذ عنا والذي لا يشبهني.. صدق أبي حين قال: اختلاف الرأي يفسد الصداقة”.

أسبوع الشجرة ” عنوان مضلل “
الخميس 7 يونيو 2012

اليوم الثامن الذي أمر به على نفس الأماكن لشراء نفس الحاجيات التي ليست بنفس أسعار نهار أمس، يبتسم لي “جاويد” الذي أراه أكثر من الآخرين كفرض يومي علي تنفيذه، أسأله كما فعلت قبل أيام: “ما الذي حدث أيضاً؟ خبز بريالين؟” يهز رأسه كفنجان بيد بدوي وكأنه يقول: “باللهِ قل لي إنك سترفض شراءه؟ آخر من فعل ذلك مات قبل حرب الخليج حين كانت المشروبات الغازية والتي تعبأ بأكياس نايلون بنصف ريال”.
أحشد مشترياتي بالسيارة، أفرد الورقة..”حسناً 3 كيلو لحمة”، وهذا ليس نصاً سمعته بذلك الفيلم بل حقيقة، الجزار الضخم يراهنني على أن هذا الخروف ذبح للتو، وبأني لا أعرف أي طعم سيفوتني، وأنه -أي الذي كان خروفاً- قد جاء من قرية يشبه اسمها مرهماً للعضلات.. على الشارع امرأة منذ ربع ساعة تقف موزعة أكياسها الأربعة بين يديها، كانت تبدو كرمز الميزان الذي يعتلي قاعات المحاكم، أو هكذا خيّل إلي بهذا القيظ الجحيم، توقف لأجلها سائق الأجرة، يبدو أنه هو الآخر انتفخت أسعاره، لم يصلا لحل وسط.. أما أنا فركبت سيارتي، أدرت المكيف الذي أنعم علي بشيء من الظل والبرد.. كنت أرقبها بالمرآة العلوية والرجل الصغير بداخلي يصرخ راقصاً: “هذه من أعظم النعم كونك رجلاً هنا”. قبل الإشارة الرابعة يهتز جوالي، رسالة من الرجل الذي أحبه وأشكر الله على معرفتي به: صاحب الإيجار، يذكرني بأن الموعد سيحل بعد أيام، شكرته على تواصله وسؤاله النصف سنوي عني.. أصل للشقة، ألقي التحية بابتسامة خلقتها للتو.. وأحب أن أنوه بهذا الخصوص أنني ومن أعرفهم لا يدخلون بيوتهم ليجدوا عائلاتهم متقابلين على آرائك بالصالة الشاسعة، ضاحكين بلا سبب بينما الأطفال يلعبون بخلفية المشهد ببهجة.. لا، لا يحدث هذا إلا بإعلان مشروب التوت، وبعد التنويه أقول لصاحبي الوفي الذي فاجأني بحضوره هذه الليلة إني سأحول لك مبلغ إيجار الشقة بعد خروجي من هنا.. شكراً للجميع.

حيوان
الخميس 14 يونيو 2012

مثير للشفقة أيها الإنسان، رغم “قلة سنعك” وعدم مقدرتك على إمضاء يومك دون صراع مع الآخر، وإن لم تجد فمع نفسك، إلا أنك تعتقد أن هذا الكون لك مع أنك لا تشكل إلا ذرة منه، جزءا يسيرا من منظومة سبقتك بمليارات السنين.. مسكون بألا تدع كل شيء يمر إلا وتعرفه، رغم أنه – واقعياً – لا يشكل لك أهمية ولا يصنع بحياتك فارقاً.. تخشى من هجوم كائنات فضائية عليك رغم علمك بأنهم ليسوا انتحاريين للحد الذي يجعلهم يتورطون بك وبالمكان الذي نكلت به.. تصر على تحديد مصير من يشاركونك الكوكب بل وتستعملهم، تضيق عليهم في كل مكان تلتقيهم.. من الذي أعطاك الحق لتحقن فأراً مسالماً بمخلوطاتك الكيميائية لتبرهن على عقار تبتلعه أنت وأولادك لتحيا عمراً أطول؟ بينما الحيوان الذي صببت جام حماقتك عليه مات وأنت لم تعمر أكثر؟ أي امتياز جعلك تختطف قنفذين من إثيوبيا، لتراقب ومجموعة من المهووسين بتسجيل الملاحظات طريقة تزاوجهما بمختبر بائس، أترضى أن يرقبك أحدهم وأنت بقفص مع زوجتك ليلاً؟ سيطفح الغضب من رأسك ها؟ بينما غيرك حلالٌ ما تفعله به.. ولنفرض – جدلاً – أنك امتلكت خارطة طريق حياتهما الخاصة، كل ما سيفيدك بالأمر هو أنك ستضع ملاحظاتك بكتاب يقرؤه شخص ما ليقول: “فعلاً هذا القنفذ شيء غريب”.. لا تكتفي بهذا بل تمتص الأنهار لتشرب، تجفف البحار لتستحم، تقتلع الأشجار لتدفأ، تعتصر الغيوم لتستمع بالمطر، تسكن فوق ما تسحقه الآلة التي طورتها.. ببساطة تجعل الكوكب يغلي ثم تبدو قلقاً من المستقبل الرمادي الذي تسببت بتعجيله.. صديقي الإنسان، سيكون المكان الذي تطحن تناقضاتك عليه أفضل، لو أنك اعتزلته أنت ببساطة، ستجعله جحيماً.. لن تهدأ إلا حين ينشطر نتيجة أفعالك إلى نصفين، مسبباً الفناء ومودياً بحياة الكائنات الأخرى إلى الانقراض.. دع غيرك يشاركك الحياة التي لم تصنع لك وحدك، وتنازل عن كبريائك وتفهّم أن للآخرين ممن لا يشبهونك حقا بهذا المكان مثلك.

حالة حب سعودية
الخميس 28يونيو 2012

هو مهتم بها مع أنه للتو التقط رقمها من مكان ما.. يحادثها ليلاً على الهاتف حيث رمز باسمها بجهات الاتصال بـ” فواز” أما هي فجعلت اسمه “نويّر”، لا أحد يعلم عن علاقتهما المدسوسة.. سألها ذات يوم عمن تشبه؟ أجابته بلا تردد بأنها حين تلتقي إحداهن تناديها بـ”إليشا كوثبيرت”، تحاول جاهدة إقناعها بأنها ليست هي، وأن الله يخلق من الشبه أربعين، لكنها تعبت من مقارنة الذين يلتقون بها بتلك النجمة الكندية وتفكر جدياً بعجن ملامحها حتى ترتاح من ذلك.. حين تسأله عن عمله، يتنهد ثم يقول: “أنا رجل أعمال، ركوب الطائرات مسافراً لأوروبا وكندا تحديداً كل أسبوع يقص ظهري”، تقاطعه بقولها إنها تظن أن كندا ليست بأوروبا، بل بمكان آخر لا تذكره.. يرد بـ “أعلم.. أعلم، الإجهاد يجعل معلوماتي الجغرافية عرجاء”.. قبل أن يغلق الهاتف لينام يهمس لها ـ ليس لشيء إلا لأن ابن خالته (فرّاج) جاء من الديرة وينام بجانبه ويخشى أن يسمعه ـ: “أحبكِ للأبد.. هل ستقذفين نفسكِ يوماً من أعلى سطح بيتكِ إن فارقتكِ؟”.. تجيبه ضاحكة: “ربما وقتها يستطيع الإنسان الطيران، فيصبح سقوطه من علٍ شيئاً من الماضي”، يشعر حينها بأن عليه أن يقتل أحداً ما.. يواصل (فرّاج) شخيره، ينام العشاق.. يستفتحون صباحاتهم وكواجب حتمي بعبارات يصنعونها لبعضهم، يغار عليها حتى من قيظ الصيف حين يلفحها، وهي عليه من شقراوات أوروبا اللاتي يلتقيهن، قبيل الظهر تخبره بأن امرأة لا تعرفها ستأتي لتخطبها لابنها الذي لا تعرفه هو الآخر، يقاطعها: “مبروك، سعيدٌ لأجلكِ، لكني أعتذر لا أستطيع حضور مناسبة زفافكِ، لدي اجتماع عمل بروسيا، بعاصمتها بكين تحديداً”، تصمت قليلاً.. تغلق الخط، وهو يفتح نافذته ليطلب وجبة سريعة لغدائه.

زياد : تجربة أولى
الخميس 5 يوليو 2012

في كل أربعاء، يكون زياد هنا، وهو الصبي الذي أبدو خاله، وهي المرة الأولى التي أفعل ذلك.. أقصد أن أكون خال أحد ما، وهذا شيء ليس بيدي، ولا بيده أيضا.. أطبّق عليه ما درسته نظريا بمناهج علم نفس النمو قبل سنوات، لا أفلح عادة، لكني أحاول جاهدا أن أمثل دور الرجل الكبير الذي يقول أشياء فعالة وحكيمة لابن أخته، أي النموذج الإنساني المفترض لهذا الصغير.
ذات مرة وحين لملمت الأغراض التي طرحها على الأرض قلت لوالده منزعجا: “يا رجل هذا الجيل مدلل، منفلت لا يردعه شيء”، وهي ذات الجملة تقريبا التي قالها لي أبي وقالها له جدي، وسيقولها ابني لحفيدي.. الحكاية أشبه بدولاب يمارس فيه الكبار دور الحكيم الذي لا يتكرر مرتين على الصغار الذين يتوقع منهم الطاعة المطلقة.. زياد ليس استثناء، فعليه أن يسمع ويطيع حين أقول له ونحن بالسوبرماركت: “ضع هذه الحلوى مكانها، يكفي ما اشتريناه، كيف استطعت أصلا أن تقفز لها وهي بهذا العلو؟” لكنه يصرخ متشبثا بها، يلتفت من بالمكان نحوي ونظراتهم تقول: “ما هذا الأب منزوع الرحمة، أي بخل جعله يقسو على هذا الملاك، ريالان يجعلانه يفعل كل هذا؟ اللهم لا تجعلنا أبناء له”.. أبتسم كالمتورط، وأمسح على رأسه متمتما: “خالك يحبك، فقط خذ ما تريد ودعني أدفع”.. بالمساء وفي باب تعريفه بالموروث وتصديقي بأني كبرت وبأننا جيلان مختلفان، أجرّه إلى الماضي جرّا بألعاب كنت ألعبها بمثل سنّه كـ”واحد طش، نار ثلج”.. أحيانا ولدى تحمسي له بشرح قواعد اللعبة ينظر للسماء وكأنه يبتهل: “يا الله، ماذا يريد هذا الرجل الذي توقف تصنيعه منذ حرب الخليج؟”.
إن قرأ زياد هذا يوما ما فعلى الأرجح سيقول لابن أخته الصغير: “كنت أحد أكثر الكائنات تميزا عن الآخرين، تستطيع سؤال خالي فيصل، رحمه الله”.

استيقظ.. إنهم يكذبون عليك
الخميس 12 يوليو 2012

كن مرناً يا صديقي.. فأفكارك التي تتطرف بالإيمان بها الآن، قد يأتي اليوم الذي لا تستطيع أن تصف كم كنت موهوماً حين اعتنقتها.. فكلما تعلقتَ بالأفكار زاد تسليمك بها وصَعُب عليك الخلاص منها، وتأكد أن الآخرين يعتقدون أنهم على حق وأنك على باطل كما تفعل أنت تماماً.. فالاختلاف سمة إنسانية، ولن تجد جماعة من البشر يشكلون نسخاً كاربونية من بعضهم إلا كان الجمود أبرز صفة توحدهم.. ولا تندهش، نعم هناك بمكان آخر من لا يؤمنون بما تعتقده أنت أساساً، ولا تتفاجأ حين تعلم أن كثيراً مما تعرفه زادك جهلاً، وكثيرا مما كنت تحسبه ضلالاً زادهم تنويراً.. فشكك بأنك ترتكب خطأ أهم من يقينك بأنك على صواب.. فالذين يعجزون عن انتقاد ما هم عليه يفعلون ذلك خوفاً من تحريك راكد اعتادوه حتى أصبح عرفاً، ويثير أسئلة يزعمون أنهم في غنى عنها حتى صارت ميتة، ليس هذا وحسب بل ويرغمونك على ألا ترى إلا ما يرون، وألا تشذ عما يتقفون عليه، فالموت مع الجماعة رحمة والانقياد مع القطيع أمان.
وبكل مرة هناك المنقذ الذي يعلقون عليه كل ما يخصهم، بما في ذلك عقولهم، ليستخدمها عوضاً عنهم، وهناك أبداً من هو مسؤول عن خريطة سير حياتهم، وترتيب الأجوبة المعلبة تجاه كل القضايا، هو المخلص من أن يتورط أحدهم بالتفكير، المتفاني في سبيل راحتهم من أن تشقى أنفسهم بالوعي، هم أفضل حالاً حين لا يصنعون شيئاً، ولديهم دائماً القدرة على ابتكار “عدو” حين تموت فكرتهم الواهنة، والتوجس بأن مؤامرة ما تحيط بهم حين يعجزون.. ورغم ذلك لديهم ذلك الوهم بأنهم أجود الكائنات التي سكنت المعمورة، لم؟ كيف؟ لا أحد يعرف..
ما أعرفه يا صديقي هو أن أحدهم قد كذب عليك فاستيقظ قبل أن يهرب بك، عنك.

حزب.. نحن أعلم بك منك
26 يوليو 2012

مع أنك مهتم بحالك، وتسير بجانب كل حيطان مدينتك مردداً: “يا الله.. السلامة”، ومتسالم مع نفسك التي اعتدت عليها، وتصل معها لحلٍ وسط حين ترتكب شيئا من حماقاتك كإنسان، إلا أنك ستجد دائماً من سيتدخل بك، ما الطريقة التي عليك أن تدير حياتك بها، من المرأة التي من المحتمل أن ترتبط بها، كيف تلبس.. مع من تثرثر.. بل وحتى ما لون سيارتك الذي لن ينتقدك الناس عليه، فهناك دائماً من هم أعلم بك منك، وأقرب من الفهم مما أنت عليه حالياً.. ولديهم القدرة التي لا تنطفئ على حشر أنفسهم بين أفكارك وتوبيخك عليها.. فيصبح كل فردٍ أب محتمل لك وأنت ابنه البريء الذي يتهجأ الدنيا للمرة الأولى.. تشك للحظة بأنهم ونظراً للتقدم الهائل ربما عثروا على شفرتك التي يستطيعون من خلالها قراءتك، واختيار الأنسب لك.. أو أن أحدهم وظفهم ليصبحوا مرشدين لك حتى لا تتوه، فهم – مع أنك لم تشتكِ لهم عن سوء هضمك ليومك – مسؤولون عن أفعالك وستجدهم على الدوام يرددون: “قم عند الساعة السادسة صباحاً، ارقص الباليه بالصالة، تناول وجبة إفطارك بيضاً، وارتد شماغاً هذه المرة، ثم تذكر أننا نحبك”.. وما دخلكم أنتم بأي ساعة أستيقظ؟ وافرضوا أني لا أتقن إلا السامري.. وأن البيض يسبب لي حساسية كوصايتكم هذه، ما الذي سيتغير بحياتكم حين أفطر فولاً؟
الجدير بالخيبة أن الحكاية امتدت لتصبح هذه الأيام موضة كتابية ونافذة تسويقية، وكأن من يقرأ سنة أولى حياة ينتظر من السيد “فعل أمر” أن ينتشله من غياهب الجهل، وبراثن الضياع.
أيها السادة الموهومون بالمسؤولية عنا، نحن بشر نفعل الأخطاء لأننا كذلك، وإلا لكنا ملائكة.. نسعى لأن تكون حياتنا جيدة دون تنظيركم وجملكم تلك التي تبدأ بأفعال الأمر. شكراً

صنم يدعى مذهبية
19 يونيو 2012

لا تنهض الأوطان إلا على جثمان الطائفية، فالمجتمعات المتمدنة لا تشتغل بملاحقة نوايا الآخرين وعلاقتهم بخالقهم.. كل هذا الماضي الذي أشغل حاضرنا سوف يؤثر على مستقبلنا، وكل تلك الحروب المضنية وعلى مدى مئات السنوات لن تخلف إلا أجيالاً متوترة، وسنلام كثيراً إن نحن قدمنا لهم واقعاً مصاباً بالتصنيف.. أليس من المقلق حجم الكراهية المتبادلة التي يمارسها من نعتقد فيهم الوعي، والدراية، أو على الأقل عدم الجهل؟
كيف لنا أن نثق بمن يتسامح مع كل الأديان والمذاهب حتى الغريب منها هناك لكنه لا يستطيع أن يفعل ذلك مع من يختلفون عنه مذهبياً؟ أو أن نرتاح لمن يوزع الكراهية كهدايا حين يعتلي المنبر؟ ويصرف كميات كبيرة من العنصرية حين يكتب؟
المذهبية ليست ذنباً يحاكم به أحد دون آخر، هي إرث لا يستفاد من تبرئته أو تجريمه، والجهد الذي نخسره بالتربص بالآخرين والتحزب تاريخياً هو ضائع بالضرورة، فمن الوهم اعتقاد أن لأحدنا ـ مهما بلغت حجته ـ القدرة على تغيير مذهب ذي جذور لا يمكن لتحول أفراد عنه أو دخول آخرين فيه أن يغيره، والمناظرات القائمة على أساس “من منا على خطأ، حتى نلغي وجوده” حتى وإن – كما يعتقد البعض – أسهمت في توبة أحد الضالين أو انتكاسة أحد المهتدين، لا تلغي المشكلة الأعظم: وجود آخرين لا يؤمنون بما نؤمن به، وإننا – وحسب – نضيع أوقاتنا..
كان سيكون مفيداً لو وجهنا هذا الوقت كله لأن نتعايش، أن نعمل على أن نحيا في مكان خال من الصراع، محكوم بالمواطنة، والسلام أيضاً.

 

طاقية المؤامرة
16 أغسطس 2012

ماذا لو كان العالم ليس مشغولاً بنا كما خيّل إلينا، وأنه يمارس يومه ونحن بآخر جدول اهتماماته، وينام على مشاكله ليصحو سعياً في حلها؟ بمعنى أن (ستيف) لن يلتقي (مارك) ليهمس له بخبث: “هناك قومٌ علينا أن نشتغل عليهم.. نحن مهووسون بتخريبهم”.. أي عذر سوف نعلق عليه خيباتنا بعد ذلك؟ كيف سنقنع أحدهم بـ: “نحن سيئون لأن أحداً ما بالعالم الآخر جعلنا كذلك، ولولاه لكنا أشياء لا يمكن وصف مدى روعتها.. تحفا إنسانية ثمينة تمشي على الأرض.. لكننا مستهدفون من الأشرار”؟ هل سيتقاعد الصحفي العربي الذي سفك جل وقته بالتقصي عما يقوله الغرب عنا، والكف عن مطاردة الرجال الذاهبين لدواماتهم وهو يسألهم: “رأيك إيه بالعالم العربي”؟ قبل أن يجيبه ذلك الكادح وهو يهرول: “كف عن ملاحقتي، لدي لقمة عيش أسعى لها، قلت لك العالم العربي..لا أعلم، الله يستر عليهم”.. لسنا بحالنا هذه غنيمة للشعوب، ولا خبراً يتصدر أحاديثهم، ثم يبتعثون أولادهم لدينا بسبب تفوقنا رغم كرههم لنا، لسنا شيئاً من ذلك كله.. إن نحن تخلينا عن ذلك الوهم فستصبح الشماعات أقل، وسنجد أنفسنا وجهاً لوجه مع الواقع.
ستنتهي المؤامرات وستبدأ الحقائق التي نهرب عنها بالظهور، بمعنى آخر مجموعة في قولك: سنتورط.. حينها سنستعين بالأشرار أنفسهم لفك ذلك التورط، لأن ثقتنا عميقة فيهم، وبأن ما حدث تجاههم كان غلطة سنحاول إصلاحها بمساعدتهم أيضاً!
الثقافات التي ترى الآخرين أعداء، ومتحفزين لإلحاق الضرر بها إنما هي بذلك تحاول سد نقص فيها، والمبالغة بأننا قوم عاجزون بسبب من لا يحبنا هي العجز بعينه.

حرية إلا ربع
23 أغسطس 2012

تضيق بنا الحرية، نلوكها كل مرة نلتقي فيها الآخرين ونحن نبتسم لنرسل لهم رسالة تفيد بأننا منفتحون، نحب المختلفين عنا وعلى استعداد أن نعيّن منا من يختلف معنا حتى نُشعِر من يرانا بأننا متسامحون نحوهم.. تصبح الحرية “لزمة” ثقافية للمستنيرين الجدد ليبينوا أنهم متسالمون ويمثلون وعياً ما، مدمنون للحوار، يعشقونه.. لا يتخيلون أنفسهم دون حوار، فهو يحقق أرضية صلبة للنهضة وحاجة ملحة لبنية مشتركة إلى آخر هذا الكلام الجميل.. إلا أن الأمر سرعان ما ينقلب حين يُطرق موضوع حساس، يلامس خطاً أحمراً يتوهمونه، و”تابو” ورثوه حتى أصبح صنماً، فيتبدل الحال وينقلب التنويري لآخر يبدو غريباً، أقترب منه.. ألكزه بطرف أصبعي وأنا أتفحص وجهه: “أنت فلان؟ هناك أحدٌ لا أعرفه استيقظ داخلك وبدأ ينقضك”، لكنه يكمل انقلابه، يهدم كل ما كان يتفوه به، وقد ينتقل الأمر إليك.. تحاول أن ترطب الأجواء ممازحاً: “أنت حر، حتى بتبدلك السريع هذا وأنا حر بألا أوافقك” يقاطعك: “لا، لست حراً بهذا.. موافقتك بما أعتقده – أو ما يمكن أن أطلق عليها أسس – دون تفكير هي مطلق..”، أكمل عنه: “هي مطلق العبودية يا صديقي، فأي فكرة لا تكون الحرية جزءاً منها تصبح فكرة مريضة، مهما كانت براقة فهي هدامة، يستعملها المتسلطون، ويتوهم بها المنساقون”، كان يتحدث أثناء حديثي ـ كعادة حواراتنا ـ وحين سكت سمعته يقول: “أنت لا تفهم، نعم الحرية جيدة لكن دون هذه الخطوط الحمراء التي علينا ألا نتجاوزها، صحيح أن لديها القدرة على التكاثر بشكل عظيم، وكلٌ وحسب مصالحه يفسرها كما يشاء، إلا أنها خطوطنا يا رجل، هل ترضى بأن تتخلى عن خطوطك؟ سيأتي اليوم الذي تتمنى فيه خطاً ولا تجده”.

الماضي يمشي على رجليه
30 أغسطس 2012

لو كنت سأشعر هذه اللحظات بالشفقة على شيء، سأشعر بها نحو الزمن الماضي، ليس ذلك الماضي الذي تشعر بالحنين إليه، وتستذكر تفاصيله الجميلة مع من شاركوك إياها، بل للذي يستخدم كحصن مقدس ضد المستقبل، كتفاصيل بالغة الصدق لا تمس، ذلك النوع من الماضي متورط بنا حد التهمة، فرغم أنه أدى دوره مشكوراً قبل أن يغادر، إلا أننا نرغمه على العيش، ونجبره على الفعل رغم عجزه. نثق فيه رغم أنه لم يوص بذلك قبل موته، ووقت شعورنا بالهزيمة أو هروبنا من حقيقة نخشى مواجهتها، نكدس فوق رأسه كل ذلك حتى نرتاح. مَن الرجل الذي يبدو أنه لم يعش بيننا وقال: إن الماضي لا يعود؟ بل يعود بكل مرة نجلس بمكان يتحدثون فيه عن حكايات اندثرت قبل سنين، ولأي حد كنا جيدين، ومثال يحتذي به العالم السيء، وأنت تعلم حينها أن ذلك لن يغير من حقيقة ما نحن فيه الآن.
تعود نسخة الماضي تلك وأنت تفتش بين مئات الآلاف من الكتب عن المستقبل، فلا تجد إلا من يكتبون عن الماضي. وإن كان حظك مبتسماً ووجدت كتاباً يهتم بالقادم من الأيام، فستجده مهملاً ويحتل التصنيف الأدنى من القراءات، وكأن المستقبل سيقرر حين يأتي وقته أن يستقيل. الماضي يعود حين نجرّ التراث بكل حوار مع من يختلفون معنا، لنبرهن لهم أننا أقرب منهم للحق، وعليه فهم محكومون بناء على شيء شبع موتاً. يرجع الماضي حين نهتم بإفراط بالتاريخ، عمن كان جدنا الخامس عشر؟ ما الذي فعله؟ وبأي سنة كان ذلك؟ لأي عائلة ننتمي؟ فذلك يشكل فرقاً، عن الفخر المتطرف بـ”كنّا”، عن الانتماء المبالغ فيه لحدث كان بجعله خارطة حياة، أليس علينا القلق بأن يكون مستقبلنا شكلاً متأنقاً من ماضينا ليس أكثر، أم إن الوقت ما زال مبكراً؟

الفن.. خرسانة
6 سبتمبر 2012

نحن مستجدون على الفن، فهو حتى وقتٍ قريب من خوارم المروءة، وعيب فاضح، وقيمة لا يعتد بها إنسانياً. لذا أصبحنا عاطلين فنياً، نهتم بالفن بقدر اهتمامنا بحديث جانبي بين زوجين بكوخهما الصغير بالريف الفرنسي.. أشكال بيوتنا التي يعلوها “القرميد” الأحمر الذي لم يصنع لنا؛ لا تشبهنا، متراصة تستطيع بالكاد إيجاد الفروق الخمسة بينها.. بداخلها غرف خانقة محشوة بالزخارف التي لا ترتبط ببعضها بعلاقة من أي نوع.. جدران ثم جدران، أبواب توازيها أبواب.. زنازين تحاول أن تمثل دور الغرف ومتاهات تدّعي أنها ممرات.. أسقف تجعلك تشك بأنك في مركبة فضائية.. شوارع تغرس فيها الأشجار وكأنها تعاقب بها كي لا تهرب، في حين تصطف على جوانبها لوحات محلاتنا المعجونة بكل لون وأي خط، صحائف دعائية تنتظرك قبل كل إشارة بصورة رجل يمثل السعادة وعبارات طويلة يلزمك أن تقضي ربع حياتك بقراءتها.
مشوارك الطويل لعملك تجاورك فيه الخراسانات التي تكفي لصنع مدينة أخرى بقبو هذه المدينة، الأغنيات الجميلة التي تمني نفسك بالاستماع لها بالراديو لا أحد يطلبها.. تشكيلات صغيرة لا يمكن أن توصل لك رسالة عن ماهيتها.. طاقة ضوئية لا يمكن لك أن تتحملها بكل مكان تلفح وجهك، وكأنك استلقيت للتو تحت مصباح طبيب أسنان.. تماثيلنا – التي نعتقد – أنها تزين مدننا ما هي إلا أعمدة متداخلة بكتل أسمنتية مصفوفة بطريقة مريبة أو مجسمات لصحون طعام متضخمة، وسيارات رمادية عملاقة.. البساطة الأنيقة هنا تعد فعلاً فنياً شاذاً، وعملاً إبداعياً لا قيمة له. المحك الحقيقي لأن تحب الناس ما تراه هو أن يكون مدججاً بكل شيء، أنت لا تفهم إن قلت لهم عكس ذلك.
سيادة الفن، القيمة الإنسانية العليا: نحن واللهِ آسفون.

أيها الإنسان ، هيا بنا نقتل أحدهم
20 سبتمبر 2012

ليس هناك أشد خطراً على الدين ممن يتطرفون بالإيمان به، ولن يهدأ المتشدد تجاه ما يعتقده حقاً خالصاً حتى يحول هذا الكون لحفلة من قطف الرؤوس المختلفة عنه، وحرب شاسعة لا تنتهي بموت الأبطال ولا جنودهم. بالطبع هو يعتقد أن ما يحدث ليس إلا قدراً محتوماً، وواجبا يمارس فيه تهديد حياة الآخرين لأنهم لا يدينون بما يدين هو.. كيف كان شعورنا ونحن نشاهد مقطع ركيك ودبلجة بدائية.. يشبه شيئاً ينتمي لعصور السينما الجاهلية، يقوم فيه مخبول بالسخرية من مقدس دين آخر.. كيف كانت ردة فعلنا؟ هل آمنا أن التطرف – بأي دين – هو أسوء ما يرتكبه الإنسان، أذية لا يمكن بها أن يكون العالم أكثر سلاماً، وأقل خوفاً؟ كم من السنوات يلزم السادة القتلة حتى يتركوا العالم يتنفس دون أن يخنقوه؟ أن يجدوا مكاناً آخر يطحنون فيه صراعاتهم لجمع أكبر عدد من الأتباع والسيطرة عليهم، فإن كانت قيم الحياة لديهم بآخر متطلباتهم فهي للآخرين المغلوبين على أمرهم أولوية لا يمكن تهميشها.. هل تعتقد يا أخي المتأمل بهذا الكوكب أننا سنسلم؟ أو أن أعمارنا ستتكرر مرتين؟! لن يحدث ذلك.. صراع من يعتقد أنه الخير وأن البقية هم الشر سيستمر، وكلمات السلم أضعف من آلات قتل يمتطيها مهووس لا يقتنع بأن البشر بهذا العالم لا يمكنهم أن يستنسخوا بعضهم حتى يرتاحوا من إلحاحه المميت، وقدرتهم التي لا تكل منذ مئات السنوات لن تقرر فجأة أن تتوب، أو أن يقفوا دون ترتيب ليتفقوا على أنهم تعبوا من ذلك.. وسيستمر الحمقى بكل الأديان التي يشوهونها بضمان استمرار حالة العداء، فما يحدث اليوم سيكون تاريخاً يرجع له متطرفو المستقبل ليجعلوه تحت بند “هذا ما وجدنا عليه آباءنا”.. دولاب لا يمل من فعل الماضي، حتى يرث الله الأرض أو يقدر أن ارتطام كوكب ضخم بها قد حان وقته.

أمال مين اللي هينضرب ؟
27 سبتمبر 2012

البشر؟ البشر لطيفون، يزينون الأرض التي يمشون عليها، متسالمون بشكل يشبه موسيقى لا تملك إلا أن تقول نحوها: “الله..” جيدون لحدٍ فائق، تأكل القطط وجباتهم الثلاث ولا يلتفتون لها حتى، هم كل ما سبق إلا حين يمتطون السلطة المطلقة، فقط حين يفعلون ذلك يصبحون شأنا لا يمكن لك تفسيره، أحجية كونية لا يوجد لها حل. فهذه الحروب التي يطحنون فيها بعضهم ويقسمون بها ما تبقى منهم، جاءت حين اعتقدت مجموعة بيدها القوة أن عليهم أن يفرضوها على غيرهم بأي شكل كان، مع أنهم كانوا قبل ذلك يمارسون حياتهم بكل لطف، يتمشون مع كلابهم صباحاً.. يقرؤون الجرائد ويصيبهم الغثيان مثل الآخرين، يشجعون فريقاً لا ينتصر عادة.. ويلقون النكات السمجة على أصدقائهم ليلاً.. لكنهم انقلبوا، نسخة بغيضة لا تستطيع أقرب الكائنات التعرف عليها. فالإنسان المتسلط متطفل بالضرورة، من تدخله بالتفاصيل، مروراً بفرض ما يراه حسناً، وصولاً لرغبته الملحة بالسيطرة وهوسه الدائم بالطاعة.. وبشكل أوسع، خذ مقطعاً طويلاً للأنظمة التي تمثل دور الأب الديموقراطي المهتم بأن يقلده أبناؤه الصغار الذين يخطون خطواتهم الأولى، تلك الأنظمة التي تسخر من الديكتاتوريات تصبح غولاً حين تتعارض مصالحها مع مجموعة من البشر قد لا يشكل وجودهم أي فائدة تذكر على مصير العالم، فتجيش كل ما تستطيع لمحاولة تطويعهم، إذلالهم، وربما تنويمهم بمراحل لاحقة.. قبل أن يستيقظوا بدورهم ليشكل كل منهم طموحاً ممتداً ليكون سلطة تعيد ما فعله الآخرون بها.. إلى أن يصل الأمر يوماً لأن يصبح الكل سلطة بهذه الأرض، حينها لا يجدون بشراً يستطيعون ممارسة تحكمهم عليهم، محققين بذلك ما قاله توفيق الدقن – رحمه الله – ذات فيلم: “البلد بقت كلها فتوات، أمال مين اللي هينضرب”!