نبّوطة
حين كنت طفلًا اشتريت دجاجة بثمنٍ بخس ، بدأ الطماع الصغير فيّ برعاية هذه الفكرة وأنا أراقب خطواتها الأولى في القفص :
هناك دجاجة بين يديك قد لاتبيض ذهبًا لكنها مُربحة إن هي سمنت وبيعت بضعف المبلغ الذي كلفتك إياه .. هيّا ، كل الأغنياء فعلوا ذلك .
حشدت لها كل الوقت والطعام الممكن ، كانت نقراتها على بلاط السطح خير صوت أشرّع فيه صباحي ، وللحق كانت هذا ماتجيده ، الأكل ، لم أجدها يومًا رافعة رأسها ، السماء بالنسبة لها وهمٌ لايستحق العناء ، أما الأرض فطبقٌ كبير لاتكف عن بلع أي شيء عليه ، لاتفرق بين أرز وحصى ، ولا تأنف عن عظمة دجاجة أخرى .
استفحل الأمر، أصبحت لا تكتفي بما يحيط بها بل تعدت ذلك ، أجدها عصرًا وقد نقّبت في شقوق الإسمنت ودهاليز الخردة والتهمت خيوط الملابس التي تدلت فوق حبل الغسيل وشربت الماء المتساقط تحتها.
لا ، لم أشأ أن أمنعها وهي تسمن بصمت ، وأيّا كان السبب فلايهم مادمت سأبيعها نهاية هذا الأسبوع وقد انتفخت وحَسُن منظرها ، ولم أسأل : ألا تنام ؟ وأي معدة تحتمل كل تلك الأشياء ؟ تلك أسئلة ثانوية .
على أي حال ، جاء الخميس ، وصوت نقرها لايزال منتظمًا كالثواني على سقف غرفتي وأنا أرتدي ثيابًا تليق بتاجر وأقول لنفسي متأنقًا : سأبيعها بضعفيّ المبلغ ، نظرًا لجهدي في تربيتها و الطعام الذي سرقته لها ، حسنًا لنتفق أن ضعف السعر يعد إجحافًا ، ضعفين أتفهم ! أغلقت الحوار و باب الدولاب ثم صعدت لها .
ناديت وأنا أكتم ابتسامتي وأتخطى برجلي اليمين باب السطح : ” نبّوطة ، نبوّطة ” ، كنت أصفّر لها كنوع من التودد الأخير رغم أن علاقتنا لم تكن بخير يومًا ، لم ترد . وصلت لقفصها الواسع ، كان فارغاً ، فتشت عنها في كل مكان محتمل أن تدس رأسها فيه ، اختفت ، رجعت للقفص فلم أجد إلا ماتبقى منها ريش ٌيطوف حول بقايا الأكل الذي رحلت عنه رغمًا عنها ، وعراك لا أعتقد أنها كانت ندًا قويًا فيه .
2 تعليقات
ابو نايف
20 نوفمبر، 2017مبدع اخي فيصل دائماً كعادتك ، لكن هل هذه القصة حقيقية ام من نسج الخيال ؟
فيصل العامر
25 نوفمبر، 2017شكرًا أبو نايف ، حقيقية تمامًا