الفيلم القصير : الجرذي

الجرذي | Trailer

يمضي فهد يومه الأخير باستحضار خوفه القديم من أبيه ، هذا الخوف كبُر معه على هيئة رجل طاعن في السن يشبه أباه يلازمه مثل روحه وبين تفاصيل يومه .
يدور فهد داخل حلقات من الخوف كجرذي في دولاب أبدي : خوف من الوهم ، خوف من الاختلاف ، خوف من الأقوى ، خوف من الخرافة ، وحين حاول الخروج منها .. مات .
الفيلم تجريبي قصير ، بُنيت لأجله ثلاثة مواقع تعكس رتابة حياة البطل ووحشة يومه ، حاولت فيه أن أزور منطقة في الفن تعتمد على الرمزية ، من إنتاج تلفار١١ وبطولة زياد العمري والممثل البحريني القدير عبدالله السعداوي وعلي الكلثمي .

في بداية ٢٠١٩م ، استحوذت NETFLEX نتفلكس على حق عرض الفيلم حصريًا عبر شبكتها ضمن ٦ أفلام قصيرة “ستة شبابيك في الصحراء” أنتجتها تلفاز١١ منذ ٢٠١٦م ، الفيلم سيكون متاحًا للمشاهدة في أكثر من ١٩٠ دولة حول العالم .

أهم الاختيارات الرسمية للفيلم | Official Selection

– مهرجان Montreal Festival du nouveau| FNC المعتمد من الأكاديمية البريطانية BAFTA
– مهرجان Aesthetica Short Film Festival | ASFF المعتمد من “الأوسكار”


* مراجعات

منصة معنى الإلكترونية

ما الذي قدمته أفلام تلفاز ١١ على Netflix؟ وبماذا تميّز فيلم «الجرذي» الذي يراه البعض موغلاً في الرمزية؟
خمسُ نوافذ وبابٌ خلفيّ – حسين الضو

احتفى الجميع بانضمام الأفلام السعودية القصيرة على المنصة العالمية نيتفليكس، كخطوة جديدة في صناعة الأفلام والسينما في السعودية، خصوصا وأن تلفاز ١١ تعدّ مؤسسة رائدة سعوديًا في هذا المجال منذ انطلاقتها في اليوتيوب. ولكن ينبغي ألا نُسرف في الاحتفاء، بل تسريع دفع حركة العملية الإبداعية والنقدية في آن.شملت السلسلة ستة أفلام قصيرة: وَسَطي (على الكلثمي)، سومياتي بتدخل النار؟ (مشعل الجاسر)، ومن كآبة المنظر (فارس قدس)، الجرذي (فيصل العامر)، 27 شعبان (محمد السلمان)، وأخيرا ستارة (محمد السلمان).
ما هو إيجابي ويُثلج الصدر في هذه الأفلام هو وجود بصمة مميزة متفردة تؤكد انفصال السينما السعودية عن السينما الهولوودية بالرغم من استهلاك المشاهِد السعودي -كبقية العالم- وانخراطه في الثقافة الجماهيرية والشعبوية للسينما الأمريكية. ما أقصده هو أننا يمكننا أن نقول إن هناك سينماتوغرافيا سعودية نستطيع تمييزها حتى لو لم يكن في الفيلم الزي السعودي أو اللهجة السعودية.

من الملاحظ أيضًا في جميع إنتاج تلفاز ١١ ارتكاز الإخراج على الذاكرة، يظهر ذلك واضحًا في فيلم “وسطي” على سبيل المثال حيث ترتكز الحبكة على قصة حقيقية مشهورة يتذكرها المجتمع السعودي، ولكن تعاد كتابتها عبر زاوية شخصية هامشية تشكل الجانب الخيالي في الفيلم وبشكل كوميدي. والأمثلة كثيرة جدًا في هذه السلسلة على وجود ما يمكن تصنيفه بالذاكرة الجمعية أو الثقافة المشتركة؛ نعال “الزبيري” كملصق دعائي للفيلم، تجمع العائلة لمشاهدة برنامج “الحصن” الشهير في المشهد الأول من ” سومياتي بتدخل النار؟”، وأغاني الطفولة في سبيستون في الفيلم ذاته، والراديو القديم وأشرطة كاسيت محمد عبدو ومشروبات الصودا بأشكالها القديمة في “ومن كآبة المنظر”، وأجهزة نوكيا القديمة ونغمات رناتها البدائية في “٢٧ شعبان”.

أما الركيزة الأخرى التي تقف عليها هذه الأفلام هي النقد لظاهرة اجتماعية، وذلك يعود -في نظري- للمسلسل السعودي الشهير طاش ما طاش الذي يعتبر ظاهرة تلفزيونية سعودية صعبة التجاوز، فهي الأخرى أيضًا تعد ذاكرة وموروثًا بصريًا مُغريًا للبناء عليه، إذ لعب دورًا في تشكيل ذائقة المتلقي السعودي، وكتابة نصوص تستند وتمتد منه يجعل من العمل السينمائي عملًا أكثر مقبولية. تناولت هذه الأفلام قضايا كلاسيكية كنقد التشدد الديني وتجاوزاته في مجال الفن والمسرح، وظاهرة إساءة معاملة الخدم، التشدد في مسألة الاختلاط بين الجنسين، وأخيرًا المضايقات والتحرشات التي تتعرض لها الممرضات السعوديات من قبل كبار السن. هاتين الركيزتين تؤكد تأثر صناعة الأفلام بماهية المجتمع التي تُنتج فيه، وبما أننا مجتمعات جماعاتية collectivist، فإنه من الطبيعي أن تشكّل هذه الخصائص بنى للأعمال السعودية.

إلا أن أحد هذه الأفلام ظهر مختلفًا بالكامل عن البقية ولا يرتكز على أي مما ذكر وهو فيلم “الجرذي” للمخرج فيصل العامر.

في هذا الفيلم، لا يوجد أي شيء يمكن ربطه بالماضي/ الذاكرة بتاتاً، كل ما في الفيلم يبدو حديثًا. فيلم الجرذي -وهو أقصر أفلام السلسلة- لا يمضي وفق حبكة، بل هناك عدة ثيمات تظهر في “فريمات” الفيلم، ننظر كمشاهدين لهذه الإطارات بحثا عن هذه الثيمات ونربطها ببعضها لغرض تشكيل معانٍ متسقة على مدى الفيلم، وهو أسلوب يبدو طليعيًا أو تجريبيًا في السينما السعودية.

لنبدأ بالنظر لهذه الإطارات لمحاولة فهم الرمزيات والرسائل المبطنة في الفيلم.

يبدأ الفيلم بتنصل يحمل تناصًا أدبيًا مع إحدى كلاسيكيات الأدب الحديثة عبر الجملة الافتتاحية: “هذه قصة الرجل الذي صار جرذياً”، ذلك ينقلنا مباشرة إلى نوفيلا “التحوّل” أو “المسخ” لفرانز كافكا التي تبدأ بتحول بطل الرواية فرانز سامسا إلى حشرة كبيرة. هذ التنصل يؤطر حدود توقعاتنا من الفيلم وثيماته، وهي السُلطة الأبوية التي ارتبطت دائمًا بسيرة كافكا وكذلك نقده للبيروقراطية في رواياته.

يلعب الخوف الثيمة الكبرى في الفيلم والتي تنطوي تحتها محركات هذه الثيمة وهي الخضوع للسُلطات الاجتماعية، وهي في هذا الفيلم السُلطة الأبوية Patriarchy  وسُلطة المؤسسة الوظيفية والبيروقراطية. يظهر الإطار الأول في الفيلم مؤكدًا هذا الثيمة بل ومتنبأً بنهاية الفيلم عبر التلفاز القديم بتدرجاته السوداء وعبارة “الخوف ينتصر” في زاوية الشاشة.

يظهر لنا بعد ذلك أولى إشارات السلطة الأبوية عندما نرى بطل الفيلم، فهد (زياد العمري)، ينام بوضعية آدم في لوحة “خلق آدم” الشهيرة للفنان الإيطالي مايكل آنجلو التي تصور الرب يمد يده إلى آدم، إلا أن فهد ينام وحيدًا دون وجود الرب أو الأب، ولكن آثار وجوده على السرير تظهر عبر التجعدات الموجودة على الفراش والوسادة، وذلك يعطي انطباعًا لغياب الأب -بسبب موته ربما- ولكن وجود أثره الذي قد يتمثل في ذكريات سيئة أو رواسب نفسية لدى فهد. كمية التقارب بين هذا الإطار ولوحة آنجلو كثيرة، منها طريقة نوم فهد والإشارة بسبابته وحتى الألوان، لون البطانية الخضراء ويقابلها البطانية الحمراء لدى الأب غير الموجود. نسمع بعد ذلك صوت دافق المرحاض وتشنج يد فهد النائم بشكل عصبي إشارة لوجود تأثيرات الأب السابقة على الرغم من غيابه.

في اللقطة التالية نرى فهد يصرخ بغضب تحت رشاش الماء، وهي إشارة لقاعدة سيكولوجية شهيرة: الإحباط يولد الكراهية. حتى هذه اللحظة من الفيلم نشعر بأن فهد يعاني إحباطًا شديدًا ووالده له دور كبير في ذلك، قد يكون بسبب غيابه وخذلانه له وقد يكون بسبب ذكريات معاملة سيئة كان لوالده دور كبير فيها. بعد انتهاء فهد من حمامه وإبعاد ستار البانيو، تتجلى معلومة جديدة تضيف الكثير لهذه الرمزيات، هي وجود شخصية رجل عجوز في البانيو معه بلحية كبيرة، شخصية تشبه شخصية الرب في لوحة مايكل أنجلو، أي أنه ذات الشخص الذي لم نره نائما على السرير بجوار فهد. إلا أن فهد حتى هذه اللحظة يظهر لنا بأنه لا يراه،  وكأن وجود هذه الشخصية هي في عقله وذكرياته، بل حتى ما سمعناه وظننا أنه موسيقى تصويرية يظهر لنا أنها موسيقى تعزفها هذه الشخصية، موسيقى يسمعها فهد فقط. ثم نتأكد بعد ذلك أن تلك الشخصية هي والده عندما نرى صورة قديمة لفهد وهو صغير بجانب شخص يغطي وجهه ورقة اللعب Ace فتسقط عندما يصرخ فهد بإحباط شديد “ما سويت شيء!” لتكشف لنا عن وجه أبيه.

الشعور بالخوف والإحباط يولد شعورًا آخر هو الشعور بأنك إنسانٌ مسحوق، ممّا يجعل فهد يخلط بين ذاته وبين الجرذ في مشهد يظهر فيه فهد وهو ينظر عبر فتحة الباب ويسمع أناسًا يحاولون قتل جرذ وكأنه هو المستهدف، وكأنما هو والجرذ ذاتًا واحدة.

ينتقل الفيلم بعد ذلك لتناول العنصر الثاني والثيمة الأخرى للخوف والإحباط وهي العمل تحت وطأة البيروقراطية التي تجعل من الفرد ترسًا صغيرًا مشابهًا لتروسٍ كثيرة تحت وطأة الرأسمالية الجشعة، وهي ثيمة أخرى من ثيمات روايات كافكا. يشير الفيلم في مشاهده اللاحقة لضرورة تحويل الأفراد إلى ذواتٍ متشابهة لإنجاح العملية الاقتصادية الرأسمالية، ولذلك استبدل فهد شماغه الأحمر بغترته البيضاء ومن ثم حلق شنبه ليتشابه مع بقية الموظفين الذين يظهرون وهم يقومون بعمل عبثي في مشهد سريالي فني وساخر.

نرى بعد ذلك مشهدًا سينمائيًا يظهر فيه المخرج فيصل العامر براعته الإخراجية في تحوّل موظفي/تروس المؤسسة الذين يعملون فيها إلى بشر ميكانيكيين بلا حياة، يشبه كثيرًا ما تصوره قراءات النقّاد لروايات كافكا عندما يتناولون هذه الفكرة.

يعمل فهد لوقتٍ متأخر كموظفٍ مسحوق بلا قيمة، لكن في هذه اللحظة من الفيلم يدرك فهد خوفه واحتقاره لنفسه عبر رؤيته للشخص العجوز، وانتقال هذا الأخير من ذات غير مرئية في عقل فهد إلى واقع ملموس، يدخل فهد مع العجوز في شجار ينتهي بموت الأخير، ثم يخرج فهد للشارع ويسقط وسط دائرة بعد أن يعلق علك في حذاء فهد كان قد رماه العجوز في بداية الفيلم، فيموت فهد بشكلٍ مشابه لموت الجرذ في أول الفيلم، فيأتي شابٌ آخر وينظر إلى فهد الميت وبجواره الشخص العجوز الذي يمثل السلطة الأبوية للشخص الآخر. وفي هذا المشهد إشارة إلى أن انتصار فهد يبدو غير كافٍ؛ إذ لا يكفي أن ينتصر الفرد بمفرده على مخاوفه في مجتمع محكوم بهذين السلطتين، فالانتصار هو أكبر من مجرد انتصار على الخوف؛ بل هو خروج عن منظومة اجتماعية كبرى يمثل الانفصال عنها عملًا انتحاريًا.

في هذا المشهد الأخير، يقوم فيصل العامر بإغلاق هذا السرد الدائري بشكل مُبهر، حيث يثبت في الأخير ما رأيناه في بداية الفيلم في التلفاز، فمهما فعل فهد فإن الخوف دائمًا ينتصر. وفي اللقطة النهائية نرى كيف ينظر العجوز من أعلى على فهد الميت تمامًا كما نظر فهد في بداية الفيلم من أعلى على الجرذ الميت. وفي كلتا الحالتين نرى الجرذ وفهد داخل دائرة تشير أولًا إلى هذه الدورة اللامنتهية وثانيًا إلى دائرية السرد.

فيلم “الجرذي” وإن كان يراه البعض موغلًا في الرمزية إلا أنني أراها محاولة جادّة وموفقة في تقديم سينما طليعية متجاوزة للسينماتوغرافيا التقليدية واستقلال تامّ عن سلطة السينما الجماهيرية والشعبوية التي تجتاح الفن والأدب في العالم أجمع.

الرئيسية

المشهد | الناقد : محمد رضا

– تتبدّى موهبة المخرج من اللقطات والمشاهد الأولى. بالتحديد من اختياراته لما يلتقطه من صور وطريقته في صياغتها على نحو يتلاءم وما يريد التعبير عنه.
– أمام إلغاء الدورة السادسة من مهرجان «أفلام السعودية» بسبب وباء كورونا عدت إلى بعض ما كنت شاهدته في دورة 2019 من أفلام واستوقفني – للمرّة الثانية – فيلم من تلك التي تكشف عن موهبة مخرجه على النحو المذكور أعلاه.
– الفيلم هو «جرذي»، والمخرج هو فيصل العامر، والموضوع هو كيف سيتخلص بطل فيلمه فهد من التقاليد التي تحكم قبضتها على حياته وعمله. لا يقدّمه لنا ثائراً ضد أي شيء، بل باحثاً منفرداً عن الاختلاف. لذلك؛ نراه يدخل مكتبه بجانب زملائه الذين يتصرفون على النحو ذاته: «ماوس» يحركونه ويضغطون عليه من دون أجهزة كومبيوتر، لكن عيونهم تتجه إلى حيث كان يجب أن تكون الشاشة.
– هناك مشاهد رمزية والرمز والترميز ليس من عادة معظم الأفلام العربية التي نراها، والنجاح في اعتمادها له شروط يؤمّنها هذا الفيلم المُختصر. «جرذي» هو عن الخوف الكامن في النفس تبعاً لظروف النشأة الأسرية والحياة الروتينية ومحاولة بطله التخلص من هذا الضغط ليجد أن ذلك يبدأ بحلاقة شاربه. هنا تلتفت إليه زميلة وتقول له إنه بات أفضل شكلاً.
– أحببت في الفيلم وصوله إلى مراميه بصورة قشيبة وحقيقة أن المخرج موهبة لو أتيحت له فرصة تحقيق فيلم قصير أو طويل آخر فسينتقل قُدماً إلى الأمام. والمخرج ليس وحده في موهبته، بل هناك كثيرون ننتظر منهم المزيد.


8 تعليقات

  1. فهد بن خالد
    6 يوليو، 2019

    مساءك خير
    سؤال بسيط
    هل الفيلم سينزل في اليوتيوب
    لعلي أكون لك من الشاكرين

    رد
    • فيصل العامر
      12 يوليو، 2019

      أهلًا أبو خالد ،

      الشكر لك على اهتمامك ، غالبًا بعد أن يكمل دورة مشاركته في مهرجانات معينة حول العالم ، قد يستغرق هذا سنة ، ليس مسموحًا أن يُنشر على يوتيوب قبلها .

      طاب يومك

      رد
      • فهد
        30 مارس، 2020

        الفلم افضل من رائع.. نتمنى افلام مثل هذا المستوى واكثر

        رد
  2. سلمان الفشقة
    23 يوليو، 2019

    متى اقرب عرض فالشرقية او الرياض؟

    رد
    • فيصل العامر
      20 أغسطس، 2019

      يعتمد على الجهة المنظمة،
      سأخبرك إن عُرض قريبًا

      شكرًا لاهتمامك سلمان

      رد
  3. Hessah
    26 يوليو، 2019

    تبدو الفكرة مشوقة ، اتطلع لمشاهدتة قريباً ، ذلك ان تجربتك في الكتابه فريدة من نوعها
    ثم اني ارجو منك تزويدي بايميلك بغرض عرض نص لفلم قصير الى متوسط (٣٤)مشهد ، وارجو منك نقده اذا امكنك ذلك
    ممتنة لك ولوقتك

    رد
  4. محمد محمد محمد
    3 مارس، 2020

    اتمنى ان نبذتك عن الفيلم ما حرقت كل الرمزيات الي فيه شخصياً حسيت فيه تاثر بروايات فرانس كافكا مثل التحول والمحاكمة .

    رد

اضافة تعليق