حي على الفلاح
أنزل الجريدة ، كان نظره شاخصاً .. رفعها ثم كومها وقذفها في الزاوية القريبة منه وقال :
– اسمه ليس موجوداً
– من هو ؟
– ولدي ، نخلت كل واسطات البلد .. لم يجدِ الأمر نفعاً ، حتى أبو بدر لم يستطع فعل شيء
– من هو أبو بدر ؟
– أمس ، تهندمت .. تحممت بالعطور ثم رصفت شماغي فوق رأسي .. تأبطت الملف الأخضر ، السمة السعودية الأشهر .. عبرت الشوارع التي تمنيت لو أجلس يوماً عليها ، ملساء تسر الناظرين .. تخطيتها ، قصور .. شجيرات مرتبة ، قذفت بسيارتي بعيداً .. لايليق أن يروني بلباس ناصع وسيارة هرمة ، تبخترت وأنا أمشي ، فـ أبو بدر تربطني به علاقة متينة فجده لأبيه هو خال ” موضي ” من الرضاع موضي ابنة عمي وعليه تصرفت وكأني صاحب المكان ، جلست بصدر المجلس .. وضعت رجلاً على رجل
نظرت لصناع القهوة بشيء من التعالي ، وقلت بصوت فخم :
– صبّ لي من القهوة ياولد
هرع المغلوب على أمره ، صبّ لي .. ناولني الفنجان ، كان مرتبكاً .. لم ألتفت له ، رشفت شيئاً من القهوة .. نظرت إلى السقف .. الأعمدة الرخامية والتي شُغلت بالذهبي .. الكراسي الفخمة ، قلت في نفسي :
– أي عز هذا ياسويلم ! سحقاً للدنيا .. أنسيت سنينك المفلسة ، يبدو أن الحال تدحرج بك حتى كبرت كومة ثروتك .. اللعنة ، مددت يدي بالفنجان .. هززته :
– شكراً ..
عدلت قلمي المائل بجيبي العلوي ، جلستي وشماغي
انحنيت ، أخذت موزة كانت تنتصب أعلى سلة الفواكة .. قسمتها لنصفين والتهمتها كانت أشهى فاكهة تذوقتها منذ أن تعلمت الأكل ، أيقنت حينها أن كل الموز الذي أكلته في حياتي .. كان خدعة .. أيّ قردٍ ملعوبٍ عليه أنا . سألته هو يقف كحرف الألف أمامي :
– متى يحين موعد قدوم صديقي أبي بدر
– الساعة الثامنة أطال الله في عمرك ، هل أخدمك بشيء آخر ؟
– ما اسمك ؟
– عتيق يا سيدي
– تعلّم ياعتيق يا ابني ، أن تكون مكافحاً في حياتك كن دائماً واقفاً في وجه العواصف
لاتجلس ، كن صلباً إن جلست ستمر الفرصة من فوق رأسك ، لن تنتظرك . عندما كنت في مثل عمرك ، كنت أكافح .. أكافح وحسب .. حتى صرت جهاز مكافحة يلبس ثوباً .. أشاهدت في حياتك شيئاً كهذا ؟
– لا أطال الله في عمرك
– المسألة دائـ….
فجأة فرّ عتيق من أمامي ، بدأ الارتباك يعم المكان كل المكان .. نادى أحدهم :
– الشيخ وصل
تقافز الجمع وقوفاً وكأن أحدهم لمس زراً ما .. تمتمت :
– قف منتصباً أيها البروليتاري ، انتهت فقرة أحلامك
نهضت ، دخل بـ ” بشت ” أسود مطرز وغترة بيضاء .. اخترق الأجساد البشرية المتراصة الذين انشقوا لنصفين بالتساوي ، أحسست بأحدهم يجذبني من يدي .. قائلاً لي بتوتر :
– ابتعد ، ابتعد .. كن هناك .. هيا
أقبل الشيخ ، جلس .. شرب قهوته على عجل .. التفت إلى من بجانبه
حاولت التطاول بين جموع الحجاج .. أشرت له بيدي .. لايبدو أني أشكل علامة فارقة هنا حاولت المزاحمة ، اقتربت منه وبصوتٍ مهذب :
– مساء الخير أبا بدر
– أهلا
– كيف هي أيامك ؟ كيف حال الـ …
قاطعني :
– ماحاجتك ؟
– ولدي ، رفسته الثانوية العامة بنسبة تشبه وجه من جذبني قبل قليل.. فكنت أقول أ…
– حسناً ، تعال يا فرج .. خذ ملفه وتول الأمر
ثم همس بأذنه بكلمات ، حاولت استراق السمع قبل أن يأخذني أحدهم بيدي لأغادر الكرسي :
– تفضل من هنا
وقفت ، مشيت مبتعداً .. التفت لصديقي الشيخ كان منهمكاً ، شعرت بقلبي يتفتت بغصة تعتمر بحنجرتي .. غادرت المزار الطبقي اللعين .. الفروقات الريالية النتنة .. رجعت إلى سيارتي .. حقيقتي الوحيدة البشعة ، لشقتي المتعفنة .. علب العصير الملقاة ، أكياس الوجبات السريعة الرخيصة ، أسلاك الهاتف الظاهرة .. عدت لي أنا .. أنا
،
قاطعته :
– كن حليماً يارجل ، الدنيا لم تأتِ يوماً على مقاس أمزجتنا .. ربما لم يذكرك ، أو أن مشاغله ألهته عن ملاحظة وجودك .. لا تكن حساساً
أخذ بتفحص علبة الماء بيده ..ركزها .. نظر إلي :
– أتحبني أنت ؟
– لن أفعل غير هذا
– هل ستنكر معرفتي يوم أن يغرقك الله بالريالات ؟
– قطعاً لا ، أنت شقيق الروح .. هل ستفعل أنت ؟
– طبعا سأفعل
4 تعليقات
مشعل العنزي
23 فبراير، 2014مميز رشيق في العبارة والصورة دوما مميز يافيصل
فيصل العامر
16 يناير، 2017هذا من حسن ظنك يامشعل
hussain saleh
25 يونيو، 2014اخي فيصل: انت شخصية راقية جداً .. اتمنى ان تبقى كذلك لا تغيرك صديقتنا الايام.
فيصل العامر
16 يناير، 2017وأنت كذلك ، ممتن